قيل: «من أفجع الحقائق في الحياة الإنسانية أن الناس يميلون إلى الهروب من الحياة»، قاله المؤلف الأمريكي ديل كارنيجي (1888 1955).. وأقول: إن الهروب للتحرر من الضغوط النفسية والتعافي من الأحزان ليس أمراً سيئاً، ولكن أصعب أنواع الفرار «الهروب من الذات».. إذن؛ هل يوجد هروب مفيد لمن يعاني ضغوطاً في حياته اليومية؟ وهل توجد طرق صحية لمن أراد هروباً من الواقع؟ •• •• •• حين يتبحر المغموم في كربته مهزوماً منكسراً، وتمتلئ عيناه بالدموع؛ سيجلد ذاته بهموم شقية لا يستطيع بعدها التعايش مع المتاعب.. وعندما يتوارى عن الهزائم بيقين يُوصله إلى نقطة التوهج؛ لن يشعر بالخفوت، ولن تمسه ملامح الكدر، كأب يتبختر بأطفاله النيام.. أما الذي يلتحق بمن يُتقن تجربة فنون الحياة بأسرارها وممارساتها؛ سيصبح كنجمة تلمع في السماء، ويضيف لدنياه أكثر من حياة. •• •• •• بين مواجهة مشكلات الحياة، ووضوح لغة الذات، والهروب من الواقع؛ مجابهات للعثور على الحقيقة، ومواجهات وهْم العُزلة، وسماع للقلب بصفاء.. وبين التمرد على الواقع، وفِرار الذات إلى ما وراء الذاكرة الشاردة؛ اعتناق للانكسار وتأثيف للانهزام، كسمكة تمردت على البحر فماتت.. ومن يرد التخلي عن المؤرِّقات؛ فليسقطها من حساباته، وليعش اللحظة القادمة، وليتحول لشخص مختلف لا أن يرحل إلى مكان مختلف. •• •• •• في اللجوء إلى المواقع الافتراضية من أجل العيش معها ونسيان الواقع؛ انهزام من الذكرى، واستبدال الذات المتَّقِدة بعيشة هامدة خادعة.. ومن أراد تدارك نفسه والعودة للحياة الواقعية؛ فليلجأ إلى خالقه بالدعاء، ومن ثَمَّ الاعتراف بالخطأ ومواجهته، وإلا سيصاب بالاكتئاب والانعزال.. أما من يدق عظام رأسه وينفصل عن حياته الواقعية بالذهاب لمواقع «التواصل»؛ فسيأتي عليه يوم يسأم الانتصار على قلقه وأحزانه. •• •• •• وعند كلام الأديب اللبناني «حسن الأمين»: «هناك من يحب العزلة لا كُرهاً للناس بل هروباً بنفسه»؛ دعوة لمواجهة المشكلات بالوعي.. وأولئك الفارون من واقعهم، المنهزمون أمام وساوسهم، الغارقون في غضبهم وضجيجهم؛ كمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به.. فإذا تقاطعت الآلام مع المسرات؛ سوف ينتقل صاحبها من التأمل إلى صوت مجروح، كطائر يحلق حزيناً ويصرخ بكل حباله الصوتية.