عندما يشيع سلوك ما في أي مجتمع.. ويترسّب، يتحوّل إلى مفردة ثقافية عميقة. حتى بعد زوال السلوك أو ضموره، تظل المفردة الثقافية حاضرة.. ليس على أرض الواقع، ولكن في أذهان الناس. (الواسطة) ظلت لسنوات طويلة تعمل كظاهرة اجتماعية متسيطرة على الحياة العملية؛ والعبارات السائدة سابقاً مثل: (.. ابحث عن واسطة..)، (.. لازم تجيب واسطة..)، (.. هذا من طرف الغالي ابن الغالين..).. وما شابهها من جُمل بمختلف اللهجات، كان لها وقع صحيح لأنه (كان) واقع الحال. الآن، لم يعُد الوقع صحيحاً، فجملة (.. لتورطهم بتهمة استغلال النفوذ الوظيفي..) التي ترسلها (نزاهة) نهاية كل أسبوع أصبحت رادعاً صلباً أمام الظاهرة.. وألغت وجودها؛ أو على الأقل لم تعُد تتبجّح كما كانت.. كما أنها أصبحت باهتة في القطاع الخاص بسبب المنافسة المحلية والعالمية الشرسة. (الانتقاء الوظيفي) هو مستقبل الأعمال الناجحة.. بل هو القاعدة الذهبية للاستقرار الوظيفي للموظف ذاته. ف(الانتقاء) ليس مصالح ذاتية أو أهواء شخصية.. -وليس (اختياراً) خاضعاً للمفهوم القديم (اختبارات.. شهادات..) ثم اختيار أحد المتقدمين- بل هو مهارة البحث عن الشخص الذي تتلاءم الوظيفة مع طموحاته وأهدافه وميولاته ليتلاءم معها. وقد ابتُكرت العديد من الطرق الحديثة لآلية انتقاء الشخص الصحيح للوظيفة الصحيحة لضمان الحصول على الموظف المناسب القادر على تقديم الأفضل والاستمتاع بما يقدّم، -وعلى كل منشأة؛ وتحديداً مواردها البشرية، أن تتولى مهمة متابعة آخر الإصدارات والطرق لآلية (انتقاء) الموظف؛ فهذا المقال ليس للتعريف بتلك الطرق، ولكن لتسليط الضوء على أهمية الانتقاء. توجُّه الدولة في كل أنظمتها ولوائحها الجديدة تسير في اتجاه (الانتقاء)؛ سواء في القطاع العام أو الخاص. برنامج (تنمية القدرات البشرية) يسير في هذا الاتجاه.. الانتقاء، وبرامج (التدريب المنتهي بالتوظيف) يسير في هذا الاتجاه.. الانتقاء، وكل برامج تحقيق رؤية 2030 بمحاورها الثلاثة: مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح تسير في هذا الاتجاه.. الانتقاء. تشير الدراسات إلى أن 30% من الوظائف أصبحت (عن بُعد).. والعالم متجه إلى العمل عن بُعد أكثر في المستقبل القريب.. ما يعني أن (الانتقاء) أصبح أكثر أهمية.. فالمنشأة ستتعامل مع عدد أكبر من الموظفين عن بُعد؛ وعن بعد يحتاج للانتقاء بشكل أكثر دقة.. ويصبح أكثر أهمية. الانتقاء لا يعني الموظف الأكثر كفاءة أو خبرة.. ولكنه يعني الموظف الأكثر ملاءمة وشغفاً وقدرة على التعلم والعطاء الوظيفي والاستمتاع بالعمل.. وفي نفس الوقت الاستماع بالحياة الشخصية والمشاركة المجتمعية في كافة المجالات. لو اعتمدت المنشآت على (الانتقاء) ستجد أن الوطن يزخر بالكفاءات القادرة على تحقيق نجاحات عالمية في كل المستويات الوظيفية وستحقق زيادة في الأرباح ومستوى أعلى في الإبداع.