(الصمت حكمة).. هذا صحيح في بعض الأحيان، لكن في كثير من الأحايين الأخرى (التحاور أحكم). فعندما تستوجب متطلبات الحال أن يكون (الإفصاح) ضرورة، لا يكون الصمت حكمة.. وعندما تستوجب (الفهم) و(اكتشاف الآخرين)، لا يكون الصمت حكمة.. بل شكلاً بشعاً من أشكال العلاقات الإنسانية الرافضة لتقرير توجهات الخير والشر والخطأ والصواب.. وبُخلاً في إظهار الحقيقة. لهذا، الحكمة هنا تدعو للحوار. الحوار بمفهومه الدقيق: مراجعة الكلام دون خصومة؛ والكلام يحتاج لموضوعات وقضايا وحالات لإبداء الرأي حولها على مستوى المجتمع المحلي والعالمي، وهذا متوفر تحت نقرة الإصبع. سِمة العصر الحديث هي وسائل التواصل الاجتماعي التي تفتح بوابة النقاش والجدال العلني على مصراعيهما.. أيضاً محلياً وعالمياً. فهي رفيقناً في الحِل والترحال؛ تطرح الغث والسمين.. وتحفّز الرغبة في المشاركة بما تجود به نفس كل قارئ ومستمع ومشاهد. تحقيق الانتصارات وتوسيع مساحات الهيمنة -الإيجابية- لا يتم إلا عن طريق الحوار. في العالم الافتراضي، تميل بعض التوجهات -بسوء نية- إلى تعمُّد اقتناص الأسوأ في كل شيء وأي شيء: عن طريق التأويل أو الاستقطاع أو الانتقاء.. لرسم صورة بشعة بأهداف مسبقة الدفع. هذا الجانب المظلم تحديداً لا يُضيء مساره سوى الحوار. حتى التعليقات المنطقية التي لا تجد مساحات كافية في الردود المحمّلة بقناديل الظلام، تظل بادرة حسنة لإضاءة الوعي وأخذ المعادلة صوب المسار العقلاني. هذه الثقافة الرقمية فرضت واقعاً جديداً في حياتنا العامة يتطلب ضرورة إدخال الحوار كمفردة ثقافية في العلاقات الشخصية والاجتماعية والعملية لتوضيح الرؤية وتفسير الغموض والتعبير عن الذات. مساحات الحوار واسعة ومتعددة.. وراقية.. يجب أن نفتحها للتعبير عن احتياجاتنا وتحقيق أهدافنا.. ومساعدة الآخرين والتفاهم معهم لصناعة السلام الذاتي. للحصول على نتائج حكمة الحوار يجب أن نضع في اعتبارنا أن الانزلاق في دهاليز النقاش الرديء مغرٍ تماماً.. وأكثر جاذبية وسهولة.. ولكنه لا يؤدي إلى تحقيق أهدافنا، هو مجرد إلهاء عن نجاحاتنا وطموحاتنا الكبرى التي تحتاج للفهم. في عالم الاستهداف المقنن لا بد لنا أن نحاور الآخر انطلاقاً من قناعتنا الأصلية وثقافتنا العريقة.. ليس للمواجهة.. ولكن لتوجيه المسار نحو العقل والمنطق إكراماً لأنفسنا واستثماراً لنموّنا الذاتي.