قيل: «لا تطلق مسمى الصداقة على كل عابر يمر بحياتك، حتى لا تقول يوماً: الأصدقاء يتغيرون»، قاله الأديب الإنجليزي «شكسبير».. وأقول: من يُرد صاحباً يبوح له بخفايا إِكْنَاناته، ويفضي إليه بسريرة بواطنه؛ فليختر من رجح عقله، ووسع أُفقه، وأشرقت مهجته.. إذن؛ كيف نحقق عهود ومواثيق الصداقة؟ وكيف نجعل من الصديق خليلاً في الشدائد والملمات؟ وما هي صفات صحبة تؤنس أرواحنا؟ •• •• •• حين يفترق صديقان ويعرضان عن بعضهما، وينأى كل بجانبه عن الآخر؛ تنقطع المودة بينهما ويتحوَّلان إلى عدوين ببركة القيل والقال.. وعندما تأتي ساعة رحمانية لدى أحدهما فيذهب إلى صديقه الآخر ليصالحه؛ يتعانقان ويتذكران أيام الوداد بينهما ليعودا كما كانا عليه.. ذلك القاصد صديقه مُصالحاً؛ أخذ بطيب التداني بديلاً عن التنائي، ليؤرخ لموقف إنساني يزيدنا يقيناً أن «الصحبة الصالحة» هي الأبقى. •• •• •• بين حالات عذبة مضمخة بالحب، وصداعات متقبلة آسنة بالأنانية؛ صفات متدفقة من صناعة نفائس الوفاء لا يتقنها إلا صانع بارع.. ومن يصنع صداقة براقة لا يتسرب منها الجحود، فهو مثل «جمرة متقدة» تحمل في أحشائها لهيب تفانٍ خارجاً عن المألوف.. فكل شيء في الصداقة الخلاَّبة مُبهِر بتفاصيلها الصغيرة، وكل شيء في الصحبة الساحرة جنة حب لمن يُقدِّر نعمة تمنحنا الارتواء. •• •• •• في استشعار واجب تفرضه «الصداقة»؛ هناك عبرة لقصص صحبة آسرة تمضي بعيداً كأغصان شجر، نتذكرها كخليط صور متزاحمة تمر بنا.. ومن يرحل إلى مدينة زوَّارها الفرقاء بحثاً عن الوداع؛ سوف يحسُّ بالدموع تتجول في عينيه حسرة على ذكريات صداقة باسمة.. فهناك صُحبة أصبح ما يبكي فيها مضحكاً، مثل صديقين دامت صداقتهما سنين طويلة ثم انقطعا بسبب وسواس شيطان ووسوسة إنسان. •• •• •• وفي كلام البحتري شعراً: «خير الخليلين من أغضى لصاحبه، ولو أراد انتصاراً منه لانتصرا»؛ إقرار أن فراق الأحباب سقام الألباب.. وأولئك الذين جعلوا من منارة الصُحبة كرنفالات من الوفاء والحب؛ يبثون زهور الصداقة بأريج فوَّاح وكأنها كلمات كُتِبت بحبر سري.. فإذا أردنا تلحفاً بمخدع الصحبة الصادقة؛ سوف تسكننا حميمية تجمع بذرات السعادة وباقات الياسمين، بسحر عفوي يحمل وسم «وحدة روح».