أجمل ما يمكن أن يكون نموذجاً للوفاء في هذه الحياة هو نموذج وفاء الصحبة، أعرف شخصية من المدينةالمنورة في مرتبة معالي له صديق من أيام زمان، يعني من يوم كانوا في الكتاتيب والمرحلة الابتدائية، أحدهما من أشهر التجار وذي عمل اقتصادي مميز، والآخر في مرتبة معالي، المهم أن هذين الصاحبين يودّان بعض ويسافران مع بعض وطيلة عمرهما على تواصل وكأنهما أخوين، وما يذكر أحدهما إلا ويذكر الآخر، فوصف التوائم في حقهما قليل، يبلغان من العمر اليوم ما يقربهما من الثمانين عاما، بدأ أحدهما هذه الأيام يفقد شيئاً من صحته، ولكبر سنه فقد عانى من صعوبة الحياة ومن أذية بعض من لا يخافون الله عند ذهابه لصلاة الجمعة، ومن مصداقية المحبة والصحبة وغلاوتها أصبح صاحب المعالي يتأكد كل جمعة من أن أحدا يذهب مع صديقه هذا إلى صلاة الجمعة وإلا هو بنفسه يمر عليه ويأخذه للصلاة لحمايته، لكون صحته ضعيفة، فهل من الأصحاب والأصدقاء القدامى من يفعل مع أصحابه مثل ما يفعل معاليه؟ بل هل خطر في بال صديق وصاحب قديم السؤال عنهم أو زيارتهم؟! كم أنت كبير يا صاحب المعالي، وكم هي غالية الصداقة والصحبة!! لقد ضرب القرآن الكريم نموذجاً للصحبة في قوله تعالى: (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إذْ هُمَا فِى الغَارِ إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا).. إنها الصحبة التاريخية.. صحبة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، صحبة في الحضر والسفر، وصحبة في السلم والحرب، وصحبة في الصحة والمرض، وصحبة في الدنيا والآخرة، ناهيك عن أنها صحبة الدين والعقيدة، كما ضرب الصحابة الكرام أروع الأمثلة في الصداقة والصحبة ما بين الأنصار والمهاجرين، وهناك نماذج في التاريخ ما بين البشر عموماً تُؤكِّد على «ودية» الرفقة والصحبة والصداقة وما صاحب قصتنا اليوم إلا نموذجاً فريداً للصحبة والصداقة، وهو المعنى الذي جعل له الإسلام مصطلحاً خاصاً وهو الأخوّة الخاصة، حيثُ في الحديث أن من السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله: «رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه»،وهناك صحبة خاصة وصداقة خاصة هي الصحبة بين الزوجين، كما قال تعالى (وصاحبته)، حيث هما أحق بالوفاء لبعضهما، وهو نموذج آخر يستحق الوقوف عليه وذكر أمثلة واقعية عليه.