على ما يبدو بدأت إيران تدخل في مرحلة الاضطراب السياسي؛ نتيجة العوامل الخارجية والداخلية التي زعزعت الاستقرار في البلاد، فعلى المستوى الخارجي تلوح في الأفق مواجهة غربية - إيرانية بعد استبعاد أية إمكانية لإحياء الاتفاق النووي، بينما تحولت الاحتجاجات في الداخل إلى مرحلة العصيان للمرة الأولى مع دخول الثورة شهرها الثالث، ما يعني أن إيران اليوم في مرحلة الضغط العالي. في ظل هذه العوامل الخارجية والداخلية، يظهر على السطح عامل إقليمي جديد؛ وهو إمكانية وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى السلطة بعد تجاوز عقبة تشكيل الحكومة الائتلافية، الأمر الذي سيغير حتماً طبيعة المواجهة الإسرائيلية الإيرانية.. فما هو المسار والتفاعلات المستقبلية للملف النووي، وحتى التواجد الإيراني في المنطقة؟! اتسمت السياسة الإيرانية في التعامل مع الملف النووي بالكذب والخداع وكسب الوقت، وعلى الرغم من ذلك تحاول الدول الأوروبية اتباع سياسة الاحتواء لهذا الملف الشائك، وإنهاءه بما يخدم الأمن والاستقرار العالمي والإقليمي، لكن إيران ليست هي الدولة التي يمكن معها بناء الأمن والسلم الدولي. ففي اليومين الماضيين، كشفت الدول الغربية أكاذيب طهران في الملف النووي، وأن كل ما كانت تدعيه في التعامل مع المنظمة الدولية للطاقة الذرية كان خداعاً وكسباً للوقت، وفي مطلع الأسبوع الماضي أفصحت الدول الغربية عن آثار اليورانيوم في ثلاثة مواقع إيرانية، الأمر الذي أثار جنون الاتحاد الأوروبي وبطبيعة الحال الولاياتالمتحدةالأمريكية، وعلى الرغم من الاعتراض الأوروبي على هذه السلوكيات الملتوية، إلا أن نظام الملالي لم تقدم تفسيرات لوجود اليورانيوم في المواقع الثلاثة. بالتزامن مع هذه العقبة الجديدة في الملف النووي الإيراني، تشير تقديرات الوكالة الدولية، إلى أن إيران زادت من مخزونها البالغ 60% من اليورانيوم النقي الانشطاري إلى 62.3 كيلوغرامات، ارتفاعاً من 55.6 كيلوغرامات، بل ذهبت الوكالة للقول: إنه ليس من المعلوم بالنسبة لنا بالضبط كمية اليورانيوم عالي التخصيب التي تمتلكها إيران، على الرغم من زيارة رئيس الوكالة الدولية للطاقة لطهران رافايل غروسي في يوليو الماضي.! ألمانيا كانت أكثر الدول المنزعجة من الخداع الإيراني، إذ دعت طهران إلى السماح للمفتشين الدوليين بالعودة إلى مواقعها النووية، وقد تتجه برلين بالتعاون مع الدول الغربية إلى توسيع دائرة العقوبات على النظام الإيراني بسبب محاولة الهروب من الاتفاق النووي والإيحاء بالقبول بكل الشروط. من الناحية الأخرى، ثمة متغيرات متوقعة في الفترة القادمة قد تغير من التعامل الغربي مع الملف النووي، وهو المتغير الإسرائيلي مع إمكانية وصول نتنياهو إلى السلطة، الأمر الذي من شأنه أن يغير المسار بالكامل، خصوصاً أن نتنياهو من أكثر المعترضين على الاتفاق النووي مع طهران ولا يتورع عن التهديد بإفشاله واستهداف مواقع إيرانية. بل ذهب وزير الاستيطان الإسرائيلي السابق تساحي هنغبي، إلى القول: إن تل أبيب قد تقدم على هجوم على إيران خلال فترة الحكومة المتوقع تشكيلها من قبل بنيامين نتنياهو في فترة ولايته القادمة؛ وإن نتنياهو سيعمل في فترة حكومته المتوقعة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ولن يكون خياراً غير ذلك. وبين كل هذه الدوائر الصعبة التي تطوق نظام ولاية الفقيه على المستوى الداخلي والدولي والإقليمي، يأتي التدخل الإيراني في الحرب الأوكرانية، وإرسال المسيرات إلى الساحة الأوكرانية؛ الأمر الذي أثار مخاوف الغرب من وصول التهديدات الإيرانية إلى حدود أوروبا، إذ لم يسبق لطهران هذا التوسع العسكري من قبل. ولعل التدخل الإيراني القذر في الحرب الأوكرانية مع العوامل السابقة، يزيد من صعوبة التلاقي الغربي الإيراني على الملف النووي، صحيح أن صبر الغرب تجاوز الحدود لكن في الوقت ذاته لن يكون هذا الصبر على حساب إخضاع الدول الغربية والموافقة على شروط الاتفاق النووي من وجهة نظر إيران، خصوصاً أن الولاياتالمتحدة حسمت موقفها من رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب وأكدت أن الأمر انتهى، وهذه تعتبر من أكبر المشكلات في التوصل إلى اتفاق، ناهيك عن مماطلات إيران من الناحية التقنية. تاريخ إيران في سياسة «حافة الهاوية» طويل كما أن الدول الغربية أدركت تفاصيل هذه السياسة، لكن المرحلة الراهنة بكل تأكيد مختلفة عن كل المراحل السابقة، خصوصاً في الداخل الإيراني، وكذلك دخولها على خط الحرب الأوكرانية، وبالتالي ستكون الأيام وربما الأشهر القادمة جحيماً على إيران، وهي لا تزال تحاول اللعب على حافة الهاوية! كل الظروف الذاتية والموضوعية ليست في صالح نظام الملالي، وهذا سيكون له تأثير قريب جدّاً على السياسة الإيرانية، وليس مستبعداً أن تتقلص الأذرع الإيرانية الإقليمية في الفترة القادمة، فالمعادلة الآن حصار وخنق إيران من الداخل إقليمياً ودولياً.