لم ينجح فايروس كورونا الجديد، على رغم تحوراته الوراثية، التي تجلّت أخيراً في هيمنة سلالتي BA.4 وBA.5، في منع ملايين الأمريكيين من التمتع بعطلة ذكرى استقلال الولاياتالمتحدة، التي صادفت أمس (الإثنين) الرابع من يوليو. ويبدو أن الأمريكيين قرروا انتهاز فرصة التغيرات الجوهرية التي حدثت في فايروس كوفيد-19. فعلى رغم هيمنة السلالتين المتحدرتين من سلالة أوميكرون، ما أدى الى استمرار تفشي الإصابات في الولاياتالمتحدة، بمعدل لا يقل عن 100 ألف حالة جديدة يومياً؛ فإن الفايروس بات أقل قدرة على التسبب في الوفاة، مقارنة بالسلالات التي واكبت اندلاع نازلة كورونا في نهاية 2019. ومع أنه لا يزال يفتك بمئات الأمريكيين كل يوم (387 وفاة الأحد)، إلا أن شعور غالبية الأمريكيين أنه لم يعد بالقدرة ذاتها على الفتك التي اتسم بها خلال الخريف والشتاء الماضيين. كما أنهم يشعرون بأن شيوع لقاحات كوفيد-19، خصوصاً لقاحيْ موديرنا وفايزر-بيونتك القائمين على تكنولوجيا مرسال الحمض النووي الريبوزي mRNA، أحدث تغييراً ملموساً في المشهد الصحي الوبائي، على الأقل في الوقت الراهن، حتى أنه لم يعد أكثر من مجرد مرض مزعج وسخيف بالنسبة الى كثيرين جداً. وقال أطباء أمريكيون إنهم يشهدون للمرة الأولى منذ اندلاع نازلة كورونا عدداً ضئيلاً جداً من المرضى المنومين بكورونا في وحدات العناية المكثفة. وتقول الأرقام إن عدد الإصابات الجديدة في الولاياتالمتحدة لم يكن يتعدّى 20 ألفاً في مثل هذا الوقت من السنة الماضية. وعلى رغم أن العدد لا يقل حالياً عن 109 آلاف حالة جديدة يومياً في المتوسط؛ فإن ذلك لم يمنع الأمريكيين من مغادرة منازلهم ليزحموا مطارات البلاد، ولتختنق حركة المرور في الطرقات الرئيسية بسيارات المصطافين الباحثين عن المتعة في عدد كبير من الأماكن، داخل أمريكا وخارجها. ويرى العلماء أن الاطمئنان في نفوس الأمريكيين يعزى الى تنامي الحصانة الناجمة عن لقاحات كوفيد-19، والمناعة الطبيعية المكتسبة من التعافي من الإصابة بالفايروس. ويضيفون أن جسم المواطن الأمريكي غدا معتاداً، نتيجة الخضوع للتطعيم بلقاحات كوفيد لما لا يقل عن ثلاث جرعات متتابعة، على معرفة كيفية التعامل مع الفايروس، من دون حاجة الى رد فعل مناعي مفرط، كما كانت عليه الحال قبيل ظهور لقاحات كوفيد-19. وتشير تقديرات رسمية الى أن 8 من كل 10 أمريكيين أصيبوا بالفايروس، مرة واحدة على الأقل. وانخفض معدل الوفيات الجديدة بالفايروس الى مستوى يكاد يضاهي عدد وفيات موسم شيوع فايروس الإنفلونزا. بيد أن العلماء الأمريكيين يقرون بأن الاختلاف البيِّن بين فايروسي كورونا الجديد والإنفلونزا ليس سبباً كافياً للاطمئنان التام الى السلوك الذي يقدم عليه فايروس كورونا الجديد في أي لحظة مقبلة. لكن تبقى الحقيقة المتمثلة في أن فظاعة الفايروس ووحشيته خلال الأشهر التي أعقبت تفشي عدواه في الولاياتالمتحدة، ما أدى الى ما لا يقل عن 2600 وفاة يومياً في فبراير الماضي؛ تعزى أساساً الى عدم توافر مناعة كافية لدى الأمريكيين، وإلى عدم ظهور اللقاحات المناهضة للوباء، وإلى أنه لم تكن الأدوية الناجعة لكبح الفايروس قد ظهرت في ذلك الوقت. ويخشى العلماء والخبراء الصحيون احتمال ظهور مفاجئ لسلالة متحورة وراثياً جديدة قد تستطيع النجاة من فعالية اللقاحات. ولذلك يرى هؤلاء العلماء أن من الحكمة ترجيح إمكان ظهور سلالة جديدة يمكن أن تروّع الأمريكيين في وقت لاحق من الصيف الحالي، ثم خلال موسمي الخريف والشتاء القادمين. علاقة كورونا بالسكري والجلطات تشير دراسة أجراها باحثون من اليابان الى أن الإصابة بفايروس كوفيد-19 تسبب خللاً في نشاط عدد من المورثات (الجينات) التي تتحكم بالعمليات الكيميائية في جسد الإنسان، بما فيها آلية التعامل مع السكر في الدم. وفحص الباحثون اليابانيون عينات من مئات المصابين بكوفيد-19، من ذوي الإصابات الخفيفة والخطرة، ودرسوا تأثير الإصابة في عمل المورثات التي تقوم عادة بإنتاج الإنسولين لحرق السكر في الدم، وهو ما يؤثر بالتالي في عمليتي النمو والخصوبة في آنٍ معاً. وقال قائد فريق الدراسة الأستاذ في جامعة طوكيو إيشيرو شيمومورا إن الإصابة بكوفيد-19 أثرت في عملية إنتاج الإنسولين، بما في ذلك تأثيراتها الممتدة لأعضاء أخرى، كالرئة، والكبد، والخلايا البنكرياسية. وخلص الى أن ذلك الإخلال بعملية التحكم في آلية التعامل مع سكر الدم أثر بدوره في وظائف الأعضاء الأخرى. وفي بريطانيا يدرس العلماء الصلة المحتملة بين أعراض كوفيد-19 وحدوث جلطات دموية، بل حدوث تأثيرات طويلة الأجل في وظائف أعضاء الجسم. ويدرس العلماء البريطانيون ما إذا كان من الصواب إعطاء مرضى كورونا أدوية لتسييل الدم، ليتفادوا الإصابة المحتملة بالجلطات. وأوضحوا أنهم يدركون يقيناً أن ثمة صلة وثيقة بين الإصابة بفايروس كورونا الجديد والجلطات، وأن من أصيبوا بالفايروس يواجهون مخاطر متزايدة من الإصابة بحالات من قبيل الجلطات الدماغية، والنوبات القلبية، وتضيّق الشرايين. وأضافوا أن دراسات في جنوب أفريقيا أكدت أن المصابين بمرض «كوفيد المزمن» يعانون من مشكلة حدوث جلطات دموية متناهية الصغر، فيما تشير دراسات في بريطانيا الى أن ثلث عدد المصابين ب«كوفيد المزمن» لديهم تجلطات دموية غير طبيعية، لكن الباحثين البريطانيين يقولون إن تعميم صرف الأدوية المسيلة للدم لمواجهة هذه الحالات يحتاج الى مزيد من الدرس، لأن تلك الأدوية من شأنها أن تسفر عن حالات نزف دموي داخلي شديد الخطورة على حياة الإنسان.