كانت مفردة «الشغف» غارقة في شواطئ النسيان و لم ترد على لسان أي مسئول سعودي كبير حتى جاء ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» فرفع بدهائه الإداري هذه المفردة و جعلها في واجهة الواقع و على بساط التداول، وذلك أثناء حواره الأخير مع الزميل المتألق عبدالله المديفر. و منذ تلك اللحظة عادت لمفردة «الشغف» الحيوية والنشاط و الانتعاش و الحيلة ولا أبالغ إن قلت إن الأمير الملهم «محمد بن سلمان» هو قائد مدرسة الإحياء الحديثة. ومفردة «الشغف» كالبحر الذي لا ساحل له، تقاوم المد والجزر لذلك أصبحت تتجول وتتبختر في ميادين العمل، ومرابع أهل العقول، والفكر، والإبداع، والابتكار، والإنتاج..إن الدلالات و العطاءات التي يحملها «بطن» كلمة «شغف» رفعت أسهم هذه المفردة الثمينة، لتصبح متداولة في سوق العمل، ودروب التنمية، ومجالات المهنة. نعم إن «الشغف» يجب أن يكون هو القضية الكبرى والهاجس الأول لكل مسؤول يبحث عن إتقان العمل وإنجازه نعم «الشغف» يصنع الفارق في الإبداع والابتكار والإنتاج بين المنسجم والمتناغم مع أيقونة «الشغف» وبين المتذبذب فيه. و «الشغف» أيضا يتفاوت بين البشر زيادة ونقصاناً، والعمل بلا شغف كالورد بلا رائحة..«الشغف» تجارة ناجحة، فهي كلمة: صُنِعت من جديد، ثم ضُخت في سوق العمل فاقتنصها الإنسان الذكي لأنه يعلم أنها أكبر حافز له لكي يتحرك ويعمل ويتقن ويبدع وينتج ويربح في ميدان عمله. طرح عليّ عدد كبير من الأحباب والأصحاب السؤال التالي: نمر أحياناً بمراحل يضعف فيها الشغف وتتراجع العزيمة لذا؛ ليتك تخبرنا عن الطرق والوسائل التي تشحن فيها بطارية الشغف والعزيمة؟ بعد السؤال رجعت إلى الكتب والمراجع، وأرسلت لهم هذه الرسالة التي أقول فيها: يأتي على الإنسان حين من الدهر، ولحظات من الزمن يشعر فيها بالإرهاق من العمل، بل وعدم الرغبة فيه، وكأن نفسه تنازعه إلى أشياء أخرى، وتحدثه بالتغيير، ويزداد هذا الشعور شيئاً فشيئاً حتى يصل لمرحلة فقدان شغفه تجاه العمل، ويصاحبه شعور بالاستياء من ترك العمل، وازدياد الفراغ، والحيرة في تدبير هذا الوضع، وعدم الخبرة في التعامل مع هذه المشاعر.. وهذا أمر طبيعي، يمرّ به كل إنسان؛ فالشغف مثل «المرجلة» تحضر وتغيب، وهو أيضاً مثل «الجوال» يحتاج إلى شحن بين فترة وأخرى، وهو كذلك مثل «الإيمان» يزيد وينقص، إنه نوع من المشاعر التي تعيش المد والجزر، وهي تشبه إلى حد بعيد سوق الأسهم الذي بين فترة وأختها يرتفع ويهبط.! الشغف ببساطة هو: ميل قوي نحو نشاطٍ ما، يستثمر فيه الإنسان وقته وجهده إيماناً منه بأهمية هذا النشاط أو حباً فيه. و قد اختصر «باولو كويلو» الشغف في عبارة حيث يقول: «الشغف هو الإثارة التي يحدثها ما هو غير متوقع، هو الرغبة في التصرف بورع، واليقين أننا سننجح في تحقيق الحلم الذي طالما راودنا، يرسل الشغف إلينا إشارات لنهتدي بها فى حياتنا، ويجب أن نعرف كيف نفك رموز هذه الإشارات». تمرحل الشغف إنَّ الشغف بطبيعته مثل موج البحر مد وجزر، لأن الإنسان يمر بمراحل الفتور والقوة، فإذا كان في مراحل الفتور تحمس، وإذا كان في مراحل القوة حافظ على الحماس، إن الإنسان الواعي إذا نزل مستوى شغفه رأى هذا تراجعاً إلى الوراء، هذا التراجع الذي يسبق الاندفاع للأمام، إنه مثل لاعب الكرة الذي يضع الكرة ثم يتراجع إلى الوراء، حتى يأتي ويركل الكرة بقوة إلى الأمام. أسباب ضعف الشغف: عدم وضوح الهدف في الحياة، وفقدان بوصلة السير فيها، وكأن الشخص يمشي وراء سراب لا يدري ماذا يريد ولا متى سيصل!.عدم معرفة الأولويات بين المهمات التي ينبغي إنجازها. أداء أكثر من عمل ومهمة في وقت واحد دون تنظيم للمهام. وهذا أمر يرهق الجهاز العصبي مما يؤثر على نفسية الشخص ويشعره بالملل وفقدان الشغف. متابعة مشاهير السوشيل ميديا وأخذ صورة مبالغة عنهم، ومقارنة الشخص حياته بحياتهم ويعتقد أنه يتعب ويعمل ويجتهد وهم نجحوا رغم محتواهم المتواضع، فيشعر بالإحباط ويفقد شغفه تجاه عمله وحياته، وهنا لابد أن نقول إن هذه أرزاق، ولعل لهم أعمالا عملوها كانت خبيئة عند الله نحن لا نعلمها، فنحن لا نرى إلا ظاهر حياتهم ونقارنها بحياتنا، ولا نعلم السراء. تعرض الشخص لصدمة نفسية أو مرض مستعصٍ يفقده الشغف ليس تجاه عمله فحسب بل تجاه الحياة كلها. طبيعة الإنسان أنه يمر بفترات صعود وهبوط ومد وجزر وزيادة ونقصان في الحماس، فهو إلى حد كبير يشبه مؤشر سوق الأسهم الذي يتأرجح بين الارتفاع والانخفاض والثبات. كيف ترفع شغفك؟ هنا أهم الطرق والمحفزات التي تزيد وتقوي وترفع من مستوى الشغف: أولاً: تقبل مرحلة انخفاض الشغف، ولا تقاومها، وهذا أمر لا غرابة في حدوثه، وقد قال علي رضي الله عنه في ذلك: «إن للقلوب إقبالا وإدبارا، ونشاطا وفتورا، فإذا أقبلت بصرت وفهمت، وإذا أدبرت كلّت وملّت»، فاسمح لمرحلة انخفاض الشغف أن تأخذ وقتها باتزان لتفهم رسالتها. ثانياً: منح النفس الوقت الكافي للراحة من أجل التعافي وشحن الطاقة. وإعطاء النفس حقها من الراحة والاستجمام من العمل. فهذه هي رسالة فقدان الشغف، أن تستجم وتتجدد لتعود أفضل مما كان. ثالثاً: أخذ إجازة قصيرة من العمل للحصول على الإلهام من جديد. وقد جاء في الحديث: «روّحوا القلوب ساعةً بعد ساعة؛ فإن القلوب إذا كلّت عميت». رابعاً: أن يعرف الإنسان أن عمله مهما كان ممتعاً وجميلاً فلا بد أن يوجد به بعض المحطات الثقيلة على النفس، أو التي لا تنسجم معها، وهذا شيء طبيعي لأن الإنسان لا يصل إلى النجاح حتى يمر ببعض الصعوبات، وقد قال الفقهاء: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب). خامساً: أن يتحدث الإنسان إلى نفسه بطريقة إيجابية ويرفع من قدراته، فالإنسان إذا لم يؤمن بنفسه ويثق بها فكيف يمتلك القدرة لمواصلة شغفه.! سادساً: أن يطرح الإنسان على نفسه أسئلة عميقة مثل: إذا توقفت عن شغفي ما هو البديل؟! ما الأمور التي يمكن أن أبدع فيها غير ما أنا فيه؟ هل ما أفعله الآن هو شغفي وهدفي الحقيقي؟ سابعاً: لا تنتقل من عمل لآخر حتى تنهي الأول، فشعور الإنجاز يولّد شعور الشغف، وهناك قانون من قوانين «مورفي» يقول: (إذا بدأت بعمل فستتذكر أعمالاً أخرى وتجتاحك إغراءات من هنا وهناك، ولكن أصحاب الإنجاز والشغف يصمدون ولا يتحولون من عمل لآخر حتى ينهون ما في أيديهم). ثامناً: عندما كنت أتحدث عن الشغف أرسل لي أحد المتابعين قائلاً: (إن من أسباب شحن الشغف لديَّ هو متابعة سناب العرفج)، وأنا أؤكد له وأقول: هذا ما قاله الممثل والكاتب «جورج كلوني» حيث يقول: (أحط نفسك بمن يصعدون بك إلى الأعلى، فالحياة مليئة بمن يسحبونك إلى الأسفل). تاسعاً: قسّم العمل المطلوب إلى أجزاء بسيطة، واعمل جزءاً في كل ساعة، فهذا يحفظ أعصابك من الضغط، ويعطيك مساحة لأخذ الراحة والاستجمام. والمثل المعروف يقول: رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة. عاشراً: تابع المنجزين والناجحين حتى يأخذوك معهم إلى عالم الحماس. فالشغف معدٍ والنجاح معدٍ وكل ما تخالطه وتتابعه سيؤثر فيك. الحادي عشر: حاول أن تتذكر النجاحات السابقة التي حدثت لك لأخذ العزم والقوة منها، ولتتذكر أنك كما نجحت سابقا فبإمكانك أن تنجح اليوم أيضا. الثاني عشر: اكتشف هوايات ومواهب جديدة، لتجدد بها حياتك. فالتجديد ضروري جدا لتتنفس الشغف والنجاح مرة أخرى، وفي ذلك يقول غارلي توكر: «يأتي النجاح من التركيز المستمر على التجديد». الثالث عشر: أن تستدرج شغفك، فمثلاً تتذكر الأشياء التي كنت تحبها في مرحلة الطفولة وتفكر فيها وستجد شغفك مخبئاً في أحدها، إذ يقول رجل الأعمال «مارك زوكربيرج»: (أعتقد أن هناك قاعدة بسيطة في العمل وهي، إذا كنت تفعل الأشياء السهلة أولاً، يمكنك أن تحقق الكثير من التقدم). الرابع عشر: أن تقرأ سير الناجحين عبر التاريخ، حيث يقول «نان ولدمان»: (اقرأ مجموعة من السير الذاتية لأشخاص حققوا النجاح في مجالات متعددة لأن قراءتها ستثير شغفك). الخامس عشر: أن يتذكر الإنسان في كل صباح أن له رسالة في الحياة وهي تحقيق شغفه، وقد كان أحد الفلاسفة يقول لخادمه: (إذا أيقظتني في الصباح فقل: يا سيدي قم، فلديك مهام كثيرة في هذه الحياة عليك أن تنجزها)، ولنا في أذكار الصباح والمساء ما يجدد الشغف والحيوية إذا تدبرناها، فهي تحثنا على بداية جديدة وإنجاز وعمل ينفعنا وينفع من حولنا، كما في الدعاء «حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم» فكل معانيه تدفعك للأمام والإنجاز والشغف. السادس عشر: أن يستحضر الإنسان مآل عمله والنتائج التي سيحصل عليها بعد أداء عمله بشغف، وفي ذلك يقول الله تعالى: {0لَّذِينَ تَتَوَفَّهُمُ 0لۡمَلَٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمُ 0دۡخُلُواْ 0لۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (النحل 32) فدخول الجنة كان جزاء العمل الذي قام به الإنسان في الدنيا. السابع عشر: أن يتذكر الإنسان أنه مأمور بالإتقان، والإتقان لا يأتي إلا مع الشغف، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ). الثامن عشر: إن التدريب العملي على الأنشطة الإبداعية من الطرق المهمة لزيادة الشغف، فمثلاً من الممكن أن تربط شيئاً جديداً بشيء آخر تحبه، كأن تكون شغوفاً بصناعة الأفلام القصيرة، فإنك حينها ستبدأ بدراسة التصوير الفوتوغرافي وستصبح مهتماً بالكاميرات وكيفية اختيارها، وبالتالي لن تتوقف عن تنمية شغفك، إذ يقول «أنتوني دي انجيلو»: ( طور الشغف بالتعلم، فإن فعلت فلن تتوقف عن النمو). التاسع عشر: أن تبحث عن نقاط الاتصال التي تجمع بين شغفك وقدراتك والمسارات الوظيفية المتاحة، إذ تقول «إني زهرة» من هي؟: (انظر إلى أين تكمن أفضل فرص العمل، وأين تكمن قدراتك وشغفك، والنقطة التي تتداخل فيها الفرص مع الشغف، فهي أفضل مكان تبدأ منه). العشرون: أن تتذكر المنافسين لك؛ لأن ذلك سيجعلك تتحفز على تقديم كل ما لديك وتستعيد نشاطك، يقول الله تعالى: ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ (سورة المطففين: 26). الحادي والعشرون: إعادة ترتيب المكان الذي تجلس فيه، أو تغيير الديكور في الغرفة وهذا سيزيد من حماسك للإنجاز ويغير من روتينك. الثاني والعشرون: التقليل من الضغط والتوتر والخوف بقدر الإمكان، حتى لا تفقد الشغف. الثالث والعشرون: لا تفكر في المستقبل كثيرًا، وعليك أن تتأقلم مع الحاضر. وهذا لا يعني أنك لا تخطط لمستقبلك جيداً، ولكن خطط بهدوء وسكينة وسترى كيف ستكون النتيجة.! الرابع والعشرون: عدم الاستسلام لأي ظرف مهما كانت صعوبته، واجعل لنفسك دائماً نافذة تعطيك حافزا ودافعاً كبيراً بأن تكمل ما بدأته. وفي ذلك يقول تشي جيفارا: «عندما تشعر بالاستسلام فكر في أولئك الذين يتمنون رؤيتك فاشلا». الخامس والعشرون: إن مجالسة ذوي الهمم، واكتشاف مهاراتهم سيزيد من شغفك ويحفزك على تحقيق الكثير من الإنجازات. وفي المثل: «الصاحب ساحب» وأعظم منه قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه..». السادس والعشرون: التخلص من الأفكار السلبية الذاتية في كل بداية عام جديد ومع كل صباح. فالأفكار هي ما يشكل واقعك، فكر دائما فيما يجدد شغفك ويدفعك للنجاح. وفي ذلك يقول إيميت فوكس: «يجب ألا تسمح لنفسك بالتفكير في أي نوع من التفكير السلبي للحظة واحدة». السابع والعشرون: لا تجعل أي شيء سلبي تسمعه يؤثر عليك، واستمع للأشياء الإيجابية فقط، واحرص على الحفاظ على وجود الأشخاص الداعمين لك في حياتك من الأم والأب وأصدقائك المخلصين. الثامن والعشرون: ترتيب الأولويات، (فالأهم أولاً ) ثم الأقل أهمية وهكذا.. لأن العبثية في الأولويات يربك حياتك مما يشعرك بالنفور من العمل وانخفاض مستوى الشغف، وفي ذلك يقول غوته: «من الخطأ أن تكون الأمور الأكثر أهمية تحت رحمة الأمور الأقل أهمية». التاسع والعشرون: تقول «هيلين كيلر»: (من يشعر برغبة لا تُقاوم في الانطلاق بقوة، لا يُمكنه أبداً أن يرضى بالزحف!) وهي تلفت نظرك إلى أهمية الرغبة في الانطلاق وفي تجديد الشغف، فالرغبة لابد أن تكون صادقة. الثلاثون: ابدأ بالمتاح لديك الآن، وجرب ما يمكن تجربته، فالخطوة الأولى يعتمد عليها كل ما سيأتي.«اعقلها وتوكل».حسناً ماذا بقي؟!! بقي القول: هذه محركات ومحفزات ووسائل وطرق لشحن شغف الإنسان الجاد، وأُركز هنا على الجاد، أما الذي يقرأها ليبحث عن أضدادها، أو يقرأها من أجل أن ينسفها فهذا النوع من القراء ليس هو المقصود بهذا المقال، وأقصد هنا طالبي المعرفة والذين يعتبرون الحكمة ضالة المؤمن أَنَّى وجدها فهو أحق بها.!! ختاما، كن سعيدا دائما بما تحب وتذكر أن السعادة هي مفتاح النجاح وسره الأعظم الذي قال عنه الفيلسوف الألماني ألبرت شفايتزر: «النجاح ليس مفتاح السعادة، بل السعادة هي مفتاح النجاح، و إذا كنت تحب ما تفعله، فستكون حتما ناجحًا». عامل المعرفة [email protected]