قبل قرابة 15 عاما، دار حديثٌ بيني وبين الخال عبدالله، كنت حينها طالبا مستجدا مبتعثا في بريطانيا، وكان الحديث يدور حول الجد والاجتهاد والشغف والمثابرة، وضرب ليّ مثالاً عن الشمعة. الشغف يعتبر أحد أهم الدوافع التي تحرك الإنسان في سبيل سعيه لتحقيق النجاح، والوصول إلى أهدافه. يصعب الاتفاق على تعريفٍ واضح ل«الشغف»، لكن يمكن القول إنه الطاقة التي تجعل الإنسان يصبر على المتاعب التي تواجهه، للوصول إلى غاية صعبة التحقيق، إذ يقول الكاتب والشاعر الأمريكي رالف والدو إمرسون: «لا يمكن تحقيق أي شيء عظيم دون شغف». قد يكون الشغف بهواية معينة، أو عمل معين، أو حتى نشاط محدد مثل القراءة أو السفر، أو التفوق الدراسي أو حتى الحصول على ترقية في العمل. لكن هناك حالة تصيب الكثيرين، يشعرون معها بنفاد الوقود الذي يحركهم لأن يصبحوا أفضل، وهي ما يطلق عليها «حالة انعدام الشغف»، حيث يشعر المرء بأنه سواء بذل مجهودا أو لم يبذل سيظل على حاله، وأنه لا فائدة من اتخاذ أي خطوات جديدة وإيجابية في الحياة. يترافق الشعور بانعدام الشغف مع شعور آخر، ألا وهو البقاء في منطقة الأمان، والركون لشعور الراحة الزائف، حيث يشعر الإنسان بأنه اكتفى من أي جديد في الحياة، ولا يريد سوى الاستمرار في روتينه الحالي. هذا الشعور، وإن كان مريحا على المدى القصير، إلا أن له آثارا سيئة على المدى البعيد، فهذه الراحة المزيفة تمنع الشخص من أن يصبح أفضل، وأن يتطلع للمزيد من النجاح، وتحمل عقبات الوصول إلى الهدف. لا تتوقف الآثار السلبية للركون للراحة المزيفة على الأفراد فحسب، فالتاريخ ملىء بقصص الدول والشركات التي تخيلت أنها وصلت إلى قمة المجد، وأنه ليس هناك أبعد مما وصلت إليه، وكانت هذه هي بداية النهاية، حيث تحول النجاح مسرعا نحو الطريق المنحدرة. مع انتشار فيروس «كورونا» في الفترة الماضية، لجأ الكثير من الأشخاص والمؤسسات إلى منطقة الراحة الخاصة بهم، مما تسبب في انخفاض الاستثمارات بشكل كبير، وخوف الناس من تجربة أي جديد، سواء على الصعيد العملي والاستثماري، أو حتى على صعيد قيود التواصل الاجتماعي والإنساني التي فرضها الوباء على البشر. الخروج من حالة انعدام الشغف ليس مستحيلا، لكنه يتطلب أن يشعر الفرد أولا بأنه يعيش في مرحلة انعدام الشغف. من هنا توضع خطة واقعية للخروج من هذه الحالة، ويجب أن تتكون هذه الخطة من خطوات صغيرة بسيطة، تؤدي في النهاية إلى الوصول للهدف. الخطوة الأولى في الخطة، هي تغيير العادات غير الصحية لدى الفرد مثل الحرص على الاستيقاظ مبكرا، وممارسة التمارين الرياضية باعتدال، وتناول وجبات متكاملة العناصر في مواعيد ثابتة. هذه الأمور على بساطتها تفتح قلب الإنسان وعقله على تجربة وتقبل أمور جديدة في حياته، وتساعد على دعم مراكز النشاط والتفكير الخلاق في المخ. بعد ذلك يجب أن يدقق الإنسان فيمن يقابلهم في حياته اليومية، من زملاء العمل إلى الأصدقاء، ويبدأ في فلترة هؤلاء الأشخاص، والابتعاد عن كل من يصدر الطاقة السلبية أو يساعد على زيادة الشعور بالإحباط. جرب بعد هذا أن تكسر الروتين في حياتك.. سافر لمكان جديد، أو حتى غير ديكور منزلك، أضف بعض اللمسات الجديدة لمكان عملك. تصرفات صغيرة بسيطة قادرة على تغيير الروتين بالكامل، ودفعك للخروج من منطقة الراحة. وأخيرا.. يمكن الاستعانة بالخبراء والمتخصصين في الدعم النفسي من أجل الحصول على المشورة في كيفية التغلب على الراحة المزيفة، والخروج من حالة انعدام الشغف لحالة الإنجاز، واستعادة الحماسة والنشاط.