لأهمية الشخص الراحل في حياتنا؛ تبدأ معاناة أهل المتوفى منذ زمن ليس بقليل، كر وفر وسهر سواء بكلل أو ملل أو بصبر، البداية بالمرض أو بمجرد الإحساس بدنو الأجل، وحتى في حالات موت الفاجعة قد يسبقه شعور غريب بأنه سيرحل من الدنيا. حين تأتي لحظة الوداع وتفارق الروح الجسد؛ تقف ساعة الإحساس لدى الميت، وللأسف يبدأ إحساس آخر لدى حاضري مشهد الاحتضار، إحساس يعجز قلمي عن وصفه، لا أبالغ إن قلت عنه: قاتلاً ومدمراً بل أسوأ، تتنفس بلا روح على روح فقدتها؛ حبيب أو أخ أو صديق أو من كانا سبباً لوجودك في الحياة (الأب أو الأم)، فهذا الموت لا علاج له سوى الصبر والاحتساب. تجتاح ذوي الموتى أفكار ووساوس ومشاعر وكوابيس، لا يرون من حولهم ولا يسمعون من يخاطبهم ولا يفكرون فيما وجب أن يُقال، حالهم حال أجساد الموتى مع فارق أن لديهم روحاً لا تعلم متي يأتي أجلها. يتوافد المعزون زُمراً لينالوا قسطاً مِن النفل، كل بحسب نواياه، فمنهم من يأتي ليلبي واجب العزاء لقريب أو جار، ومنهم من يأتي ليعزي زميل دراسة أو عمل ليبلغ الثواب، وبعضهم يأتي ليستأنس مع بعض الزملاء دون مراعاة برفع الصوت وتبادل الأحاديث، وكثر للأسف مؤخراً من يأتي لتناول وجبة العشاء متناسياً أو جاهلاً أن وليمة العشاء لأهل الميت ليقوي جسدهم الذي خرّ من العناء والتعب. لطفاً أيُها المعزون بذوي الموتى؛ اختاروا بعناية كلمات المواساة، دعوا الأسئلة عن أسباب المصاب فقد أُرهق ذوي الميت من كثر التساؤلات التي ليس لها جواب، اتركوا العتاب فجميعنا نريد الأجر والثواب. ليس بمقدور أهل الميت أن يتناسوا ألم الفقد لينشروا الأخبار؛ فعندما سألت «دانا» عن شعورها حين فقدت والدها قالت: «أماتني موته وما في هذه الحياة شيء يُحييني، ما زلتُ أعيش بهذا الجسد لكن روحي دفنت تحت الأرض، مع ذاك الذي مسني الشوق له، وشوقي عليه كل ليلة يبكيني».