لقد كان خبر وفاة أبي عبد الله مؤلما للنفوس فالحدث جلل والمصاب بأبي عبد الله عظيم ووقعه على القلوب أليم، ولا شك أن الموت حق وأن لكل أجل كتابا وأن من المصائب الكبيرة فقد الأحباب، ولكن نقول أحسن الله عزاء الجميع ورحم الله من وسد الثرى: يعزى المعزي ثم يمضي لشأنه ويبقى المعزى في أحر من الجمر ويسلو المعزى في ليال قلائل ويبقى المعزى عنه في ظلمة القب قد يحزن الإنسان على فقد شخص تربطه به رابطة النسب أو الرحم كما يحزن الإنسان على فقد شخص ذي مروءة وإحسان وبر وعبادة وإن لم توجد رابطة النسب أو الرحم، لقد كان أبو عبد الله طرازا نادرا من الرجال ومما يسجل له ويرجى له الثواب من أجله أن صوته كان يجلجل بالأذان مناديا إلى الصلاة منذ اثنين وأربعين عاما، وكان يؤذن آخر الليل الأذان الأول كل يوم. وقد حج حجات كثيرة جدا، ولا سيما عندما كان الحج شاقا ويستغرق ما لا يقل عن عشرين يوما، كما أنه عمل في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دهرا طويلا، تارة فردا من أفرادها، وأخرى رئيسا لها، وكان يختم القرآن كثيرا، ويعتكف كل سنة العشر الأواخر من رمضان، وفي السنوات الأخيرة اعتكف في الجامع فلا يخرج منه إلا للنوم بعد العشاء الآخرة فقط. ومن مناقب الفقيد أيضا أنه كان يدعم جمعيات البر والقرآن وكان يفرح بذلك ويشجع على أعمال البر وحفظ القرآن ولربما كان يتمثل رحمه الله بقول ابن نباتة السعدي: أعاذلتي على إتعاب نفسي ورعى في الدجى روض السهاد إذا شام الفتى برق المعالي فأهون فائت طيب الرقا لقد كان - رحمه الله - صبورا ذا جلد وقوة على طاعة الله، ومرض في آخر حياته ولزم الفراش وقتا ليس بالقصير ووافته المنية يوم الخميس 27-7-1426ه وصلي عليه في جامع الإمام فيصل بن تركي الذي طالما صلى فيه هو على جنائز لا يحصيها إلا الله، قضى الله أن يصلى عليه. إذا قضى الله فاستسلم لقدرته ما لامرئ حيلة فيما قضى الله لقد رزق الفقيد بأبناء بارين بوالديهم وبخاصة ابنه الأكبر عبد الله وأبناء عبد الله أيضا كانوا بارين بوالدهم الكبير، فلله وحده المنة والفضل. لقد رحل أبو عبد الله عن هذه الدنيا فترك مكانا شاغرا ولكن حسب المرء أن يكون له ذكر حسن فذلك عمر آخر يضاف إلى عمره كما قال الشاعر أحمد شوقي: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني وقال آخر: عمر الفتى ذكره لا طول مدته وموته خزيه لا يومه الداني لقد مات أبو عبد الله ومات قبله كثيرون ومن لم يمت فإنه سيموت ولا شك: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ }والفرق بين الأموات يكون بذكرهم بعد موتهم وبمآلهم، يموت أحدهم فيبقى ذكره على الألسنة وذكراه تبقى خالدة في نفوس الناس، ويموت آخر نسأل الله السلامة والعافية فيفرح الناس بموته ويبقى بعد موته ذكره السيئ وشتان شتان ما بين هذا وذاك والناس منهم المعطى ومنهم المحروم. يموت قوم ولا يأسى لهم أحد وواحد موته هم لأقوا إن من يذمه الناس لسوء طبعه وقلة نفعه وإضراره بغيره ميت وإن كان يعيش بين الناس، وصاحب الذكر الحسن وإن فارق الحياة إلا أنه حي يدعى له ويترحم عليه. ما عاش من عاش مذموما خصائله ولم يمت من يكن بالخير مذكورا إن من البشائر كثرة من صلى عليه من المسلمين وكثرة من حضر دفنه وتبع جنازته رحمه الله رحمة واسعة اللهم آمين. ختاما أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته وأن يغفر لنا وله ولوالدينا ولجميع المسلمين إنه تعالى جواد كريم.