لا أعرف لماذا يتوقع بعضهم أن تصل المحادثات بين السعودية وإيران، التي تجري في بغداد، إلى نتيجة «غير مسبوقة» في تاريخ علاقات البلدين. هل هو تفاؤل؟ أم خلاصة عادية لمنعطفات العلاقات الثنائية؟ صحيح أن العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران تم قطعها بقرار سيادي سعودي منذ العام 2016؛ غير أن مسيرة العلاقات ظلت تتأرجح بشدة منذ الثورة الإيرانية بقيادة الخميني في 1979. فقد كان العداء الإيراني للسعودية سافراً منذ اليوم الأول للثورة الخمينية. وبدأت المملكة تعاني من «تسييس» بعثة الحج الإيرانية مواسم متتالية، ما أضحى يهدد سلامة الحجاج، وهو أمر لم يكن بمستطاع السعودية أن تسكت عنه. والواقع أن ما يجعلني أشعر بأن التحسن المنشود في علاقات البلدين لن يكون بالمستوى المطلوب هو التاريخ الطويل العريض لعلاقات إيران الفارسية مع العرب على مر القرون. وهي ليست محاكمة للماضي بأدوات الحاضر؛ بل هو سلوك اعتدناه منذ عصور غابرة، تبدت نتائجه في بغداد، ودمشق. وها هي تتكرر بحذافيرها في القرنين ال 20 وال 21، من حيث سياسات إيران التوسعية، الرامية لمد النفوذ، وابتلاع السيادة الوطنية في عدد من العواصم العربية (دمشق، بغداد، بيروت، وصنعاء)، وتعتمد هذه الإستراتيجية الماكرة على تجييش المليشيات واحتضان التنظيمات الإرهابية، وتوظيفها لتهديد الدول وسيادتها على أراضيها ومواطنيها. ولهذا جرى في العرب قولهم المأثور: «إذا كان الغدر في الناس موجوداً، فالثقة بكل أحدٍ عجزٌ». وبيان ذلك أن إيران تتحكم في استقرار العراق، وتسيطر على إرادة الدولة في لبنان، من خلال مليشيا حزب الله الإرهابية، وتدير القلاقل في اليمن من خلال ذيلها الحوثي. كما أنها تقف وراء الفتنة والقلاقل في البحرين، ومن خلال الجواسيس في الكويت. وتقتل الناس في سورية وهي لا تريد أن تلتهم الخليج والعرب وحدهم، بل تمد يدها الشريرة إلى أفريقيا وأمريكا الجنوبية، من خلال تصدير أفكارها ومعتقداتها، والاتجار في المخدرات، وغسل الأموال، والنشاطات المشبوهة. وحين يتحدث المرء عن عدم تفاؤله بإمكان انصياع إيران للحد الأدنى من موجبات حسن الجوار، وما تحتّمه العلاقات الدولية من الاحترام، لا يغيب عنه مطلقاً أن تاريخ الفرس كله غدر، وخيانة، ونقض للمواثيق والعهود. ولذلك قيل في الأمثال العربية القديمة: «لا تأمن المجنون وفي يده سكين!» فلم يعرف العرب على مدى القرون عن الفُرس سوى تأصّل نزعة إخضاع الآخر في نفوسهم. وهو حقد دفين يمتد ليشمل رغبة في الانتقام تصل إلى درجة التخطيط لضرب المقدسات الإسلامية، والمحاولات التي لم تتوقف لاستهداف التراب السعودي، وإلحاق الأذى والموت بمواطني المملكة والمقيمين على أراضيها. الجديد في «رقصة الموت» الإيرانية أنها هذه المرة تتم بأيدي عملاء إيران، في اليمن والعراقولبنان؛ بعدما كانت تتم في السابق من خلال الهجمات الفارسية المباشرة للبلاد العربية. لكننا طبعاً لن نغلق الباب مطلقاً بوجه الأمل في إمكان عودة إيران إلى وعي يجعلها تتفهم ضرورة التعايش. فهناك «جيرة أبدية» كما قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز في مقابلة أخيرة. وهي جيرة تتطلب أدباً، وتعايشاً، وحسن معاملة. لكن يظل واجباً علينا الحذر من كل غدر وخيانة محتملة من جانب إيران وعملائها وأزلامها، فهي الآن تتفاوض مع السعودية وتوعز لعميلها في صنعاء بمهاجمة السعودية! الأكيد أن المملكة واعية وقادرة، ولن تسمح لإيران بأن تلدغها من الجُحر نفسه أكثر من مرة.. وكما يقول المثل القديم: «الخير بالخير.. والشر بالشر والبادي أظلم»، فالسعودية لا يمكن أن تأمن مجنوناً في يده سكين وتاريخه كله خراب ودمار وإرهاب، لكنها لن تغلق الباب بوجه الأمل في علاقات تزيل التوتر، وتفتح أبواب التعاون، وتحقق إمكان التعايش في جغرافية واحدة دون غدر، أو خيانة.