من هي هذه "إيران" التي تواجهنا اليوم، هل هي شرطي الخليج، الذي مارس "شاهها" محمد رضا بهلوي نفوذه وزعامته وتمثيله للغرب في المنطقة، منذ بداية الستينات الميلادية وحتى سقوط عرشه العام 1979، أم هي دولة ديماغوجية متطرفة، تسيطر عليها قوى راديكالية متناحرة ورثت الكعكة الخمينية، ولا تزال تلك القوى تتصارع من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب، وأن يحافظ كل طرف منها على ما استولى عليه ما يقارب من أربعين عاما. اليوم إيران بالتأكيد ليست إيران الشاه، فقد استنزفتها أطماعها المجنونة في إعادة مجد "كسرى انوشروان"، وتاه مالها في أهوار العراق، ونواعير الشام، ومليشيات حزب الله. كما أنها ليست إمامة للمذهب الشيعي كما تدعي، وليست مخزن آل البيت الكرام، بل هي ذراع كسرى الميتة الممدودة منذ ألف وأربعمائة عام، محاوِلة إعادة المجد الذي باد تحت سهام فرسان العرب القادمين من أعماق المدينةالمنورة، عندما سقط العرش التليد في أرض القادسية. هي إيران التي لم تنس يوما أن مجموعة من الأعراب الأقحاح أخرجوها من أرض الرافدين، ورموا بها خلف صحاري البصرة، إنها الشعوبية الطائفية الجديدة. هذا هو الصراع في حقيقته المجردة، إنه بين العجم الفرس الواقفين على تخوم بغداد، وبين العرب الواقفين خلف باب الرياض، وكلما جاء وقت سداد الدين، كلما أخرجت إيران عباءة آل البيت، وتخفت في عمامة وجبة الشيخ الشيعي. تعود اليوم إيران لتبيع بطولات "الملالي" في سوق الخردة، فهي منذ خروجها مهزومة من حربها مع العراق العام 1989، اتخذت إستراتيجية جديدة تقوم على تصدير الأوهام، وصناعة البطولات الزائفة، وتكليف تنظيماتها الموالية لها للقيام بالحرب بالوكالة متى ما أرادت. إذ طالما أنشأت إيران تنظيماتها السرية والعلنية حول العالم، لتستفيد منها يوما ما، إما في تأجيج صراعات طائفية، أو لتنفيذ أجنداتها ومصالحها العابرة للحدود. اليوم ما تقوم به إيران لا يزيد عن مجرد حرب كلامية إعلامية، وتهييج للشارع الشيعي في العالم، مع دفع القوى الموالية لها لعمل أنشطة وقلاقل، لتستفيد منها لاحقا. لكن إيران وكعادتها في خيانة الحليف والغدر بالصديق، ستترك حلفاءها في منتصف الطريق، ولن تدعم أحدا منهم بشكل مباشر، بل ستجعله يحترق لتكسب لاحقا من التداعيات المصاحبة للقضاء عليه، وتسير من أجله بضعة مظاهرات تنديد ليست ذات قيمة داخل المدن الإيرانية. لا شك أن مستقبل المنطقة يدور بين أربع قوى مهمة هي السعودية ومصر وإيران وتركيا، في علاقة معقدة ومتشابكة ، قائمة على مصالح متضادة ومتباينة، لكن نتائج الخصام والصدام بين تلك القوى، هي من سيرسم خريطة النفوذ والمال والسياسة والجغرافيا طوال المئة عام القادمة. إنها "سايس بيكو" جديدة، تقودها دول إقليمية، بالتحالف والتفاهم مع الغرب، وتقف في طريقها السعودية ومصر وبقية دول التحالف العربي، التي عرفت أن السكين كان قاب قوسين أو أدنى من رقابها، فقفزت إلى المواجهة في معركة كبرى عنوانها نكون "نحن العرب" أو لا نكون.