على رغم إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن إنفاق بلاده نحو تريليون دولار لتدريب ومساعدة القوات الأفغانية الحكومية إلا أنه بمجرد الإعلان عن الانسحاب الدولي والأمريكي بدت أفغانستان وكأنها بلا جيش ولا شرطة ولا أي قوات قادرة على مواجهة حركة طالبان التي أطلقت العنان لمسلحيها لقضم الأراضي والسيطرة على الولايات والمقاطعات، من دون مقاومة تذكر، لدرجة أن مئات الجنود من قوات الحكومة فروا إلى طاجيكستان المجاورة. ليس هذا فحسب بل سارعت حكومة الرئيس أشرف غني إلى دعوة الشركاء في المنطقة بما فيهم روسيا والصين والهند لتقديم المساعدة الفنية لقوات الأمن الأفغانية من أجل محاربة الإرهاب.وهكذا تثبت التطورات في أفغانستان أن واشنطن أخفقت طوال 10 سنوات أو يزيد في معالجة الوضع المعقد في أفغانستان، واختارت اللحظة الخاطئة لتركها فريسة في أيدي طالبان ومن يقف وراءها سواء كان نظام الملالي الذي يستعد للانقضاض أو غيره. ومع استيلاء طالبان على مساحات شاسعة من أفغانستان ينتشر الذعر في أروقة السلطة السياسية والعسكرية التي كان جزء كبير من مؤسستها الأمنية والعسكرية داعما للحركة أيام الحرب الأهلية الأفغانية؛ ورغم نفي إسلام آباد هذه المزاعم إلا أن صحيفة وول ستريت جورنال تعطي رواية إضافية تقول فيها إن إسلام آباد أرادت تعزيز حركة طالبان في مواجهة نفوذ عدوها (الهند) في أفغانستان، وأن يكون لها تأثير قوي هناك بعد انسحاب الولاياتالمتحدة؛ وذلك لمنع الحركات المتشددة من استخدام الأراضي الأفغانية لضرب المصالح الباكستانية. ومع اجتياح طالبان ثلث مناطق أفغانستان بعد الانسحاب العسكري الأمريكي ومحاصرة المدن الرئيسية في البلاد الآن، يتعين على السلطات الباكستانية أن تتعامل مع العواقب «غير المقصودة لسياساتها»، حسب ما تقول وول ستريت جورنال. ويكمن خوف باكستان في تدفق اللاجئين عبر الحدود المليئة بالثغرات ليضافوا إلى 1.4 مليون لاجئ أفغاني يعيشون بالفعل في باكستان. والأسوأ من ذلك، أن سيطرة طالبان الأفغانية من شأنه أن يحفز الإرهابيين في باكستان الذين تضاءلت قوتهم نتيجة للعمليات العسكرية المتتالية في المناطق الحدودية القبلية في البلاد. وبحسب مزاعم غربية فإن باكستان تحاول عبر دعمها لطالبان العودة مرة أخرى لجعل أفغانستان حديقة خلفية وعمقا إستراتيجيا داعما لها في صراعها التاريخي مع الهند، حيث تشعر باكستان أن الهند تريد إنهاء تقسيم شبه القارة الهندية وجعلها موحدة وابتلاع باكستان مرة أخرى، ما جعل الهند تحاول وقف هذا التمدد. بالمقابل تريد أمريكا أن ترى دورا للهند في أفغانستان، حيث كانت الخارجية الأمريكية تشدد في بياناتها على الدور المهم الذي تلعبه الهند في الأمن الإقليمي بما في ذلك التحول في أفغانستان، وذلك عن طريق دعم الهندلأفغانستان عبر التجارة والاستثمار والتعمير ومساعدة قوات الأمن الأفغانية. هذه المعطيات جعلت النظرة الهندية إلى أفغانستان على أنها مصدر خطورة ويجب تأمينها بنظام لا يعادي الهند ولا يتحالف مع باكستان، فالهند تعتبر حركة طالبان مقربة من باكستان، لذلك سعت بكل جهودها من أجل تقويض نفوذ الحركة.