بين الحدود الأفغانية الصينية يتم التحضير على نار هادئة لأحداث جسام ستحدد مصير العالم في المئة سنة القادمة، فكما كانت أفغانستان رأس الحربة في القضاء على الدب السوفيتي بداية الثمانينات الميلادية فيما عرف بالجهاد الأفغاني والذي أسفر أخيراً عن سقوط الشيوعية البلشفية العام 1991، يخطط لأفغانستان أن تكون مرة أخرى مستنقعا للقضاء على التنين الصيني أو الشيوعية الماوية، التي أطلت بقدراتها المتعاظمة في طريقها لتسيد العالم. كان هدف أمريكا الوحيد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وظهور السوفييت كمنافس خطر على الحضارة الغربية، هو إسقاطهم بين أيديهم وليس القضاء عليهم، فلم يكن من المصلحة السماح بتحويل دولة بحجم الاتحاد السوفيتي إلى دولة فاشلة أو السماح بحروب أهلية عند اقدام الأوروبيين. مرحلة التهذيب التي طالت الاتحاد السوفيتي تطلبت تقليم بعض الأقليات وإخراجها من الاتحاد، ثم الإبقاء على دولة مركزية قوية أقرب للغرب، منافسة «نعم»، ولكن غير مهدِدة. اليوم تتعاظم القوة الصينية الاقتصادية ويرتكب قادتها أخطاء فادحة في حق العالم -جائحة كورونا على سبيل المثال- وما لحقه من غرور سبغ سياساتهم، ولا أدل من بنائهم خطأ اقتصاديا منفردا خاصا بهم سيحيل أوروبا وأمريكا إلى مجرد أنقاض حضارة، بالرغم من أن فضل التقدم الصيني الحالي هو بسبب نقل التكنولوجيا والصناعات الغربية إلى الصين ودعم اقتصادها، ما حولها إلى أكبر مصنع للعالم. التحركات الصينية ومحاولة اختراق أمريكا سياسيا وأمنيا عبر مؤسساتها لم يكن خافيا، إلا أنه كان تحت السيطرة، التمادي الصيني وصل لاقتحام صناعات كانت حكراً على الغرب، بالطبع ليست ملكا خاصاً، لكن من السياسة وتنوع الاقتصادات عدم دفع خصومك نحو الزوايا حتى لا تصبح مسألة حياة أو موت اقتصادية، سوق السيارات، التكنولوجيا الحديثة، السلاح، الدواء، كلها كانت صناعات غربية اليوم تقتلعها بكين ولا تترك مساحة لأحد غيرها، وكأنها تقتلع أعينهم من مكانها. هل تعتقد المؤسسات في بكين أن الغرب سيسمح للإمبراطورية الصينية بحكم واشنطن وباريس ولندن وبرلين، لقد راقب الغرب الدخول الصيني من نافذة ميلانو الإيطالية والاستحواذ على أفريقيا الفرنكوفونية، فهل يعقل أن تترك عدوك ينام في فراشك. الديموقراطيون الأمريكان هم أهل السياسة والالاعيب وحياكة المؤامرات، ولذلك اختاروا تحطيم الصين وقتل التنين الأحمر بسم أفغانستان العظيم، الجارة الغربية لبكين، والتي يتمدد الإيغور إلى داخلها. اختارت واشنطن قبل أسابيع الانسحاب الكلي من أفغانستان وإطلاق يد طالبان المتطرفة وحاضنة القاعدة، لتهيئ الظروف لشن حروب عصابات وجر الصين إلى المستنقع والتناحر مع الأفغان تحت مسمى حماية الإيغور. وعلى غرار السوفييت سيتم إغراق الصين في بحر الأفيون الأفغاني، كما فعلت بريطانيا قبل مئتي عام، وستشتعل الصين وسيتباطأ اقتصادها، وربما تخرج بعض الأقاليم من تحت يديها معلنة استقلالها. هذا الخط الممتد من كابل إلى بغداد فعمان الأردنية فالقاهرة سيكون خط الإمداد الأكبر، ونقل أمريكا لإعداد وعتاد من قاعدة السيلية إلى الأردن دليل على أن الأمريكان في حاجة لطريق بري وليس لقاعدة، ثانيا تراجع دور الدول الصغرى إلى الصفوف الخلفية والذي بدأ مع سحب الملف الفلسطيني وإسناده للمصريين. الصين ستدفع ثمن خطئها في حق مصر بمساندتها لإثيوبيا وبنائها للسد، بل وتمويله والحفاظ على رتم تطوره في بلد فقير معدم، انخراط مصر في هذا التفكير الجديد للحد من الخطر الصيني مشروع ومفهوم، فكما لعبت الصين في حديقة مصر الخلفية، عليها أن تدفع ثمن ذلك في حدائق الإيغور.