يبدو أنه لا توجد مادة فيلمية أو معلومة أكثر إغراءً للتداول على مواقع التواصل الاجتماعي من تلك المتعلقة بشؤون المملكة حكومة وشعباً. فلا يكاد يخلو يوم أو أسبوع من قضيةٍ ينشط خلالها الجمهور، ويتفاعل معها بشكل لافت. وما الضجيج الذي بدأ مع العد التنازلي لموعد السماح للمواطنين السعوديين بالسفر إلى الخارج إلا حلقة عابرة في مسلسل طويل يقوم به البعض بهدف غسل الأدمغة وإطالة أمد سيناريوهات الصورة النمطية السلبية عن كل ما هو سعودي. فما بالنا بقرار يشبه قرار منع السفر وإيقاف حركة الطيران عن بعض الدول. ما تم تداوله من مقاطع وصور سلبية وتعليقات ساخرة خلال الأيام الماضية، يثير الكثير من علامات الاستفهام حول الصورة النمطية السلبية للمواطن السعودي بالخارج، والآلة التي تقف وراء الترويج لتلك الصورة وترسيخها في وجدان الآخرين. فأغلب ما تم تداوله كان متخماً بالغمز واللمز ويدور في فلك ضيق لا يخرج عن تصوير السعوديين وسفرهم على أنه «هروب كبير» من بلاد طاردة لسكانها. أو هروب لمجموعة من المساجين يعانون من الكبت و«الشفح». فانطلقوا في كل اتجاه ساعين بالخراب والدمار لكل شيء أمامهم، فازدحمت بهم المنافذ والمراكز الحدودية. وذهبت الصورة بعيداً عن خلفيات قرار المنع وأسبابه من الأساس، وتجاهل الطرح طبيعة الشعب السعودي وثقافته المرتبطة بالترحال، وسخرت تلك الحملة من خطط الدولة ومشاريعها في مجال السياحة والترفيه. قرار السماح بالسفر جاء بعد إجراءات احترازية وخطط متسلسلة لمواجهة جائحة كورونا التي انعكست تأثيراتها سلباً على العالم بأسره وليس المملكة فحسب. فالكل كان يعاني من رفضه الفطري لقوانين تقيد من حركته وحريته وتجبره على تغيير طبائعه الحياتية ومسار مصالحه اليومي بشكل مفاجئ. ولعل قسوة الإجراءات هي من جعلت المملكة من أكثر الدول نجاحاً على مستوى العالم في تفادي آثار الجائحة. بينما فشلت الكثير من البلدان نتيجة تساهلها في ذلك. ولو كان تطبيق الإجراءات أمراً اختيارياً كما أراده البعض، لربما وجدنا الجثث اليوم تملأ الشوارع لا سمح الله. وبالتالي فمن الطبيعي أن يجد الناس في قرار السماح لهم بالسفر فرصة ذهبية للعودة لحياتهم الطبيعية بعد أشهر طويلة من الحجر. فما بالنا إذا كانت فكرة السفر راسخة في وجدان الناس من الأساس وجزءاً مهماً من ثقافتهم منذ القدم، نظراً لاتساع جغرافيا البلاد، وقسوة بيئتها، الأمر الذي أجبر قاطني هذه البقعة من الكرة الأرضية على التنقل والترحال الدائم بهدف تحسين ظروف الحياة والتجارة والعلاج وحتى العلم والاكتشاف. ثم جاءت الثورة النفطية التي غيرت من حياة الناس وطورتها. فأصبحت البعثات التعليمية على سبيل المثال جزءاً أساسياً من بنية المجتمع السعودي وحركته. فلم يخلُ بيت، على طول وعرض المملكة، من طالب مبتعث. وهذا ما انعكس إيجاباً على الكثير من الدول فأصبحت تعتمد على المواطن السعودي الزائر أو المقيم في تعزيز اقتصاداتها وتنشيط السياحة فيها. ونظراً لأن أسباب سفر السعوديين للخارج متعددة، فلا يمكن اعتبار اكتظاظ المسافرين دليلاً على فشل مشاريع الدولة في تنشيط السياحة الداخلية والترفيه. لأن ما تم إنجازه وتحقيقه من أرقام في هذا المجال يعد مؤشراً مهماً ومثار إعجاب كبير رغم التحديات.. في النهاية، إن قرار السماح للمواطنين السعوديين بالسفر ليس إيذاناً بانطلاق شعب يأجوج ومأجوج «المشفوح» في كل اتجاه مهدداً استقرار العالم وأمنه بالخراب والفساد والفوضى، إنما هو إيذان بعودة الناس لممارسة جزء من حياتهم الطبيعية بالسفر سواء بإدارة شؤونهم أو بالابتعاد عن روتينهم المعتاد كأي مجتمع آخر يزدحم أفراداً وعوائل على منافذ السفر مع بداية كل فصل صيف من كل عام.