يبدو أن الأزمة الصحية الناجمة عن تسارع تفشي فايروس كورونا الجديد، المسبب لمرض كوفيد-19، أفلتت عن نطاق السيطرة في أرجاء العالم، وليس في الهند وحدها، وإن كانت الهند أشد اصطلاء بالنازلة من الدول الأخرى. فقد أضحى عدد الحالات الجديدة يداني مليوناً كل يوم عالمياً. وما إن بلغ العدد التراكمي للحالات العالمية 150 مليوناً ليل الخميس/ الجمعة، حتى قفز فجر السبت إلى 152 مليون إصابة، بعدما سجل العالم 897.602 إصابة جديدة في 29 إبريل. وأعقب ذلك ب865.434 إصابة خلال الساعات ال24 الماضية. وأضاف العالم أمس 14.124 وفاة جديدة. وكان للهند النصيب الأكبر منها. فقد سجلت الهند (الجمعة) 386.555 حالة جديدة، ومعها تم قيد 3498 وفاة. وكانت الهند قد سجلت (الخميس) 379.257 إصابة جديدة، و3645 وفاة. وكلها أرقام قياسية على مستوى العالم. بيد أنها سجلت رقماً قياسياً خارقاً خلال الساعات ال24 الماضية، بتأكيدها 401.933 إصابة جديدة، صحِبتها 3523 وفاة. وعلى رغم تدفق المساعدات الصحية من دول العالم على الهند، خصوصاً من السعودية، والولاياتالمتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا؛ فإن مواقع التواصل الاجتماعي لا تزال تغص بمناشدات الأسر الهندية لمن يعينها بسرير شاغر، أو دواء لعزيز مصاب، أو أنبوبة أكسجين طبي، وحتى بحزمة حطب لإشعال نار لحرق جثمان فقيد! وقفز العدد التراكمي لإصابات الهند إلى 19.16 مليون، فيما قفز عدد وفياتها إلى 211.853 وفاة. وشهدت نهاية الأسبوع بؤساً مماثلاً في أرجاء عدة. ففي الولاياتالمتحدة، ارتفع عدد الإصابات إلى 33 مليوناً، فيما وصل عدد الوفيات إلى 589.221 وفاة. وفيما قفز عدد مصابي البرازيل -الثالثة عالمياً- إلى 14.66 مليون نسمة؛ تجاوز عدد وفياتها 400 ألف، ليصل إلى 404.287 وفاة. وعلى رغم فداحة الأرقام القياسية المرصودة في الهند؛ فإن خبراء الصحة ومكافحة الأوبئة يعتقدون بأن تلك الأرقام أقل كثيراً من الواقع، حيث لا توجد فحوص كافية، ولا تمكن الثقة بأنظمة الإحصاء الصحية في الريف الهندي؛ فضلاً أن المصابين والمتوفين بالوباء في معظم القرى لا يذهبون الى المستشفيات، بل يموتون في بيوتهم، ويدفنون من دون علم السلطات. ولم يحظَ حتى الآن سوى 10% فقط من سكان الهند البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة بالتطعيم باللقاحات المضادة لكوفيد-19. وقال وزير الصحة الهندي هارش فاردان أمس إن عدد الحالات الناشطة في بلاده يبلغ ثلاثة ملايين إصابة. وأضاف أن ذلك دفع بالمنظومة الصحية الهندية إلى حافة الانهيار. وبدأت الأزمة الصحية الهندية تتجلى مخاوفَ في عدد من دول العالم. فقد أعلنت بريطانيا أمس أن عدد الإصابات بالسلالات الهندية المتحورة، التي أمكن رصد ثلاث منها، تضاعف ثماني مرات في بريطانيا خلال أسبوعين منذ مطلع إبريل الماضي. وتم تسجيل 400 إصابة بالسلالات الهندية منذ اكتشافها في المملكة المتحدة في فبراير الماضي. وأشارت صحف لندن أمس إلى أن عدد الإصابات بالسلالات الهندية المتحورة لم يكن في نهاية مارس الماضي يتعدى 0.2% من نتائج الفحوص الموجبة. لكنه ارتفع إلى 1.7% بحلول منتصف أبريل الماضي. وقال العلماء البريطانيون إن السلالة المتحورة الهندية التي تحمل اسم B.1.617 أضحت تنقسم إلى ثلاث سلالات متحورة لكل منها تركيب جينومي مختلف عن الأخرى! لكنهم تمسكوا بأن لقاحي أسترازينيكا الإنجليزي وفايزر-بيونتك لا يزالان قادرين على تدمير هذه السلالات الثلاث. وأشار معهد ويلكوم سانغر المكلف بتقصي سلالات فايروس كورونا الجديد في بريطانيا إلى أن السلالات الهندية غدت خلال الأسابيع الماضية أكثر تفشياً من سلالة جنوب أفريقيا. ويصطلي جيران الهند بتفشٍّ فايروسي متسارع، من دون أن يمتلك أي منهم كميات كافية من اللقاحات، خصوصاً بعدما قررت الهند منع تصدير اللقاحات التي تنتج في أراضيها. واضطرت بنغلاديش، التي تتقاسم مع الهند حدوداً يبلغ طولها 4 آلاف كيلومتر، إلى فرض الإغلاق حتى 4 مايو الجاري، خشية تسلل السلالة الفايروسية الهندية للبلاد التي يعمرها 160 مليوناً. وقالت السلطات في دكا إنها منعت أي تنقل للأشخاص عبر حدود البلدين. وفي نيبال، اضطرت الحكومة إلى فرض الإغلاق في مدن عدة، لكبح عدد متزايد من الإصابات. وتتقاسم نيبال حدوداً مع الهند عند منطقة جبال الهملايا تمتد نحو 1800 كيلومتر. وتشهد سريلانكا ارتفاعاً مثيراً للقلق في عدد الحالات الجديدة، من نحو 200 يومياً خلال الأسابيع الماضية إلى 1460 بحسب أرقام الخميس الماضي. وفي أفريقيا، أعلنت يوغندا أنها سجلت إصابات جديدة بالسلالة الهندية، وحضت سكان البلاد على التحوط والحذر. نشرت الصحف الهندية والعالمية أمس، مشاهد مؤلمة تؤكد استفحال الأزمة الصحية إلى درجة الخروج عن نطاق السيطرة. وأظهر مقطع فيديو سيارة إسعاف وهي مكدّسة ب22 جثماناً لمتوفين بكوفيد-19 في طريقها إلى محرقة الجثامين. وشوهدت تلك الجثث وهي متناثرة بعضها فوق بعض ملفوفة بأكياس صفراء، وهي تغادر مشرحة مستشفى مدينة بيد، بولاية مهاراشترا. وقامت الشرطة بمصادرة هواتف عدد من الحاضرين الذين حاولوا تصوير ذلك المشهد المفزع. وتعهد المعاون الإداري للمدينة رافيندرا جاغتاب بمعاقبة المسؤولين عن الحادثة. لكنه أقرّ بأن مستشفى المدينة لا يملك سوى سيارتي إسعاف لنقل الجثامين إلى المحرقة. وقال إن ذلك العدد ليس كافياً في أتون هذه المحنة. الجثث متناثرة.. الوضع خارج السيطرة