بلدية القطيف تدشن سارية "ميدان القلعة" بارتفاع 30 متراً تزامنا مع يوم العلم السعودي    «التجارة» تُشهر بمواطن ومقيم ارتكبا جريمة التستر    توزيع أكثر من 15.8 مليون م3 من المياه للحرمين في أوائل رمضان    ضبط مواطنين بمنطقة الجوف لترويجهما أقراص خاضعة لتنظيم التداول الطبي    شركة مدعومة من صندوق الاستثمارات العامة تستحوذ على لعبة بوكيمون غو ب3.5 مليار دولار    نائب أمير حائل يشارك رجال الأمن إفطارهم الرمضاني في الميدان    صم بصحة في ظهران الجنوب    المملكة تستقبل «نخبة آسيا» الشهر المقبل في جدة    توزيع أكثر من 1.5 مليون حبة تمر على سفر إفطار الصائمين في المسجد النبوي يوميًا    خيسوس: هدفنا ثنائية الدوري السعودي و«نخبة آسيا»    ترمب: أميركا لن تسمح بعد اليوم بإساءة معاملتها تجارياً    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير فرع الإفتاء بالمنطقة الشرقية للعام 2024    أمير منطقة جازان يتسلم التقرير السنوي لفرع الإدارة العامة للمجاهدين بالمنطقة    حكاية كلمة: ثلاثون حكاية يومية طوال شهر رمضان المبارك . كلمة : القطيبة    أمير جازان يتسلم التقرير السنوي لقيادة حرس الحدود بالمنطقة للعام 2024    قائد القوات المشتركة يستقبل نائب قائد العمليات المشتركة الإماراتية    هيئة الصحافيين تعزز الإعلام السياحي بالطائف بورشة متخصصة    ضبط وإتلاف 850 كيلوغرام من الأغذية مجهولة المصدر في محافظة البيضاء بالدمام    نجاح عملية تثبيت كسور العمود الفقري والحوض بتقنية الروبوت    16 حاضنة وأكثر من 234 بسطة وعربة طعام متنقلة بتبوك    تعليم البكيرية يحتفي بيوم العلم السعودي    البرلمان العربي يشيد باستضافة المملكة محادثات أمريكية-أوكرانية    رابطةُ العالم الإسلامي تُثمِّن لمجلس الوزراء شُكرَهُ لعلماء مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية"    أبرز العادات الرمضانية في بعض الدول العربية والإسلامية..الجزائر    أشادتا في بيان مشترك بمتانة الروابط وأهمية تنمية التبادل التجاري.. السعودية وأوكرانيا تستعرضان جهود تحقيق السلام الشامل    «الداخلية» تزين «طريق مكة» بالجائزة المرموقة    هل يوجد تلازم بين الأدب والفقر؟    في إياب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا.. صراع مدريد يتجدد.. وأرسنال في مهمة سهلة    اليمن.. الحوثيون يتوسعون بفرض الإتاوات    السودان.. قائد الجيش يضع شروطاً صارمة للتفاوض    دلالات عظيمة ليوم العلم    سوريا.. توقيف متورطين بانتهاكات "الساحل"    نظام الفصول الدراسية الثلاثة.. الإيجابيات والسلبيات على المجتمع والاقتصاد    6 إستراتيجيات أمريكية ضد عصابات المخدرات في المكسيك    محرز يسجل ثنائية في فوز الأهلي على الريان    جامعة أم القرى تنظم مأدبة إفطار رمضانية للطلاب الدوليين بالتزامن مع يوم العلم    شارع الأعشى والسير على خطى محفوظ    وزير الدفاع يستقبل وزير الدفاع التركي    وكيل محافظة الطائف يشارك أبناء جمعية اليقظة الخيرية الإفطار الرمضاني    مؤسسة الأميرة العنود تنظم ندوة "الأمير محمد بن فهد – المآثر والإرث" برعاية و حضور الأمير تركي بن محمد بن فهد    بناء الجسور بين المذاهب من الحوار إلى التطبيق    إفطار جماعي ومد لجسور التواصل    أبوالغيط يثُمن دور المملكة في استضافة المحادثات الأمريكية الأوكرانية    السلمي والدباغ يزوران غرفة عمليات أجاويد ٣ بخميس مشيط    العالمي أغرق الاستقلال بالضغط العالي    2100 طالب في خدمة المحسن الصغير    «كفو».. خارطة طريق لتسويق الأفلام الدرامية    انطلاق المنتدى الثقافي بأدبي حائل    صِدّ عنه وكأنك ماشفته!!    الفعاليات الرمضانية تشعل التنافس بين حواري بيش    7 أهداف تدخل العميد دوامة العثرات    النواخذة لقلب الطاولة أمام دهوك    وجبات للإفطار بمسجد القبلتين بإشراف هيئة تطوير    شوارع وميادين مناطق المملكة تتزين بالأعلام احتفاء بيوم العلم    «صم بصحة» واحصل على جودة حياة    أمير تبوك يستقبل رئيس مجلس بلدية معان بالمملكة الأردنية الهاشمية    قطاع ومستشفى سراة عبيدة يُفعّل حملة "صُم بصحة" وحملة "جود"    رئيس جمهورية أوكرانيا يغادر جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آل الزهير.. مؤسسو الزبير النجدية

المعروف تاريخيا أن بلدة الزبير (نسبة إلى الصحابي الزبير بن العوام) هي حاضرة نجد في بلاد الرافدين، حيث تأسست على أيدي الأسر النجدية التي هاجرت من نجد قبل نحو 400 عام.
في تلك البقعة، جنوب العراق، أسس النجديون إمارتهم المستقلة المختلفة عن بقية المناطق العراقية لجهة اللهجة الدارجة والمذهب الديني واللباس والعادات والتقاليد، وأطلقوا على أجزائها ومعالمها أسماء منسوبة إلى عائلاتهم مثل «الراشدية» و«السلمانية» و«الزهيرية» و«الخميسية». وعلى المنوال نفسه بنوا بيوتا وجوامع أطلقوا عليها أسماءهم مثل بيت المنديل وبيت البسام وبيت الذكير وجامع النجادة ومسجد الزهيرية، ومسجد الصبيح، وجامع الإبراهيم، ومسجد الدليجان، وغيرها.
وتشير المصادر التاريخية العديدة إلى أن المهاجرين من نجد سكنوا البصرة ابتداء، لكنهم سرعان ما وجدوا أنها لا تناسبهم لأسباب منها اختلاف طباع أهلها عن طباعهم، ورطوبتها وفيضانات أنهارها، واضطراب الأمن فيها. وعليه اختاروا الزبير بديلا، وكانوا موفقين في ذلك. وفي هذا السياق نشير إلى ما ذكره الباحث عبدالعزيز إبراهيم الناصر في كتابه القيم الموسوم ب«الزبير.. صفحات مشرقة من تاريخها العلمي والثقافي» من أن ما شجع النجديين على الاستيطان في الزبير هو وجود بحيرات مياه حلوة وتوفر المياه الجوفية، وصلاحية أرضها للزراعة ورعي الماشية، ووفرة مواد البناء، ووجود حركة تجارية تمر بها بين حاضرة البصرة وباديتها، ومرور حجاج بيت الله الحرام عليها، واتصالها بطرق برية إلى بلاد نجد والخليج والعراق والحجاز والشام، وطرق بحرية تصل بينها وبين موانئ الخليج والهند وأفريقيا عن طريق منفذ خور عبدالله وميناء أم القصر، ناهيك عن تضاريس الزبير المرتفعة عن مياه الفيضانات، ووجود تجمع سكاني قليل العدد حول مسجدها وضريحها لا يؤثر سلبا في عقائدهم وعاداتهم وأخلاقهم، واهتمام السلطات العثمانية بالزبير لاحتضانها أضرحة بعض الصحابة والتابعين وهو ما جعلها تسقط عن سكانها التجنيد الإلزامي والضرائب، وتقدم لها السلاح والعون المالي. ومما لا شك فيه أن كل هذه العوامل مجتمعة شجعتهم على الاشتغال بالتجارة، وشجعت غيرهم في نجد على الالتحاق بهم على دفعات، وكان بعض من قدم لاحقا، من العائلات النجدية الثرية مثل آل الجويسر الذين هبطوا الزبير على رأس قافلة قوامها 200 من الإبل للتجارة فاستقروا بها، طبقا لعبدالرزاق الصانع وعبدالعزيز العلي في كتابهما «إمارة الزبير بين هجرتين».
كبار التجار
وعلى الرغم من أن المهاجرين النجديين حلوا في الزبير كمزارعين بسطاء وفقراء، إلا أنهم نجحوا خلال فترة وجيزة في التحول إلى كبار ملاك الأراضي ومزارع النخيل في العراق، فراكموا ثروات معتبرة شقوا بها طريقهم في عالم التجارة الواسع من خلال تسيير القوافل التجارية إلى كل أنحاء العراق وبلاد الشام وتركيا ومناطق نجد. ولم يكتفوا بذلك بل تجاوزوه إلى تسيير السفن التجارية إلى موانئ الخليج والهند وعدن وشرق أفريقيا، وتأسيس الشركات والبيوتات التجارية في هذه الموانئ، وهو ما حوّل الزبير في تلك الحقبة إلى محطة للقوافل التجارية والبريدية ومركز لتحصيل الرسوم الجمركية.
هارفارد الشرق
والحقيقة أن النجديين في الزبير، بعد أن بنوا أنفسهم وعمروا بلدتهم، اتجهوا إلى المساهمة في تنمية ونهضة العراق وبعض البلدان الخليجية من خلال تأسيس دور العلم ومنها «مدرسة دويحس» (من أشهر وأقدم المدارس العلمية بالعراق وتأسست في القرن 11 الهجري على يد الشيخ دويحس بن عبدالله بن ماس آل شماس الوداعي الدوسري من أهالي الشماسية بالقصيم)، و«مدرسة الأحمدية» أول مدرسة نظامية افتتحت في دبي عام 1912 على يد الشيخ أحمد بن دلموك الفلاسي وأدارها مدرسون وعلماء زبيريون مثل أحمد العرفج ويوسف الجامع ومشعان المنصور وعبدالله الوهيب. هذا ناهيك عن «مدرسة النجاة الأهلية» التي ظهرت سنة 1920 منبثقة عن جمعية النجاة الخيرية وهي جمعية أسسها الشيخ محمد الأمين الشنقيطي بمشاركة ودعم وجهاء الزبير ممن تولوا مسؤولية إدارتها أو عضويتها مثل إبراهيم البسام ومحمد العساف وناصر الأحمد وأحمد وعبدالرزاق الدايل وسليمان السويدان ومحمد السند ومحمد العوجان وداوود البريكان وناصر الصانع وأحمد الشايجي وأحمد التركي وعبدالرحمن الفريح، وقد تخرج من هذه المدرسة الكثير من شخصيات المنطقة المتميزة ورجال أعمالها، خصوصا وأنها كانت الوحيدة آنذاك التي ركزت على تدريس علم مسك الدفاتر، ما ساعد الأهالي في تأسيس تجارة أو الالتحاق بوظيفة محترمة، وهو أيضا ما جعل الأستاذ عبدالعزيز محمد الذكير يصفها ب«هارفارد الشرق» ويقول عنها إنها كانت في زمنها بمنزلة جامعة هارفارد في وقتنا الحاضر. وقد أسست الجمعية أيضا أول مدرسة في المنطقة لتعليم البنات سنة 1924.
ساسة وصحفيون
ومن جهة أخرى خاض نجديو الزبير غمار العمل السياسي والصحفي فبرزت منهم أسماء في التاريخ السياسي للدولة العراقية ومنهم إبراهيم فوزان المنديل (خرج من مدينة جلاجل النجدية إلى الزبير سنة 1837 وامتهن التجارة بين البصرة وبغداد والهند وكان وكيلا للإمام عبدالرحمن الفيصل آل سعود)، وابنه عبداللطيف باشا المنديل الذي عُيّن وزيرا للتجارة في أول وزارة عراقية برئاسة عبدالرحمن النقيب عام 1920 وثاني وزارة عام 1921، قبل أن يعين وزيرا للأوقاف في وزارة عبدالمحسن السعدون الثانية سنة 1922، كما انتخب لعضوية المجلس التأسيسي العراقي عام 1924 عن مدينة البصرة ثم أصبح عضوا في مجلس الأعيان عام 1929، وعضوا في مجلس ولاية البصرة وملحقاتها، فعضوا في مجلس الأشراف خلال فترة الاحتلال البريطاني للعراق. ويعزى إليه سعيه لتزويد البصرة بالكهرباء ومياه الشرب، وإصلاح زراعتها وتنشيط تجارتها وإعمارها، علما بأن عبداللطيف المنديل كان من وكلاء الملك عبدالعزيز آل سعود في العراق، ثم استدعاه جلالته وكلفه سنة 1926 بتطوير ميناء العقير، كما مثله في مؤتمر الصبيحية الخاص بالأحساء عام 1914 وأشركه معه في مؤتمر العقير عام 1922 حول ترسيم الحدود بين السعودية والعراق والكويت.
ومما يجدر بنا ذكره، في السياق نفسه، أن النجديين في الزبير كانوا سباقين إلى تنظيم شؤون بلدتهم إداريا وخدميا من خلال انتخاب مجلس بلدي سنة 1922، ما يدل على وعيهم المبكر بهذا الموضوع الحضاري. فقد نشرت جريدة الأوقات العراقية (5/‏1/‏1922) أن انتخابات أجريت في الزبير لاختيار أعضاء مجلسها البلدي الأول ففاز بالرئاسة سلمان أفندي الغملاس، وتم تعيين الفائزين بأغلبية الأصوات أعضاء فيه وهم: ناصر الثاقب، يعقوب الزهير، عبدالوهاب الطباطبائي، علي المشري، عبدالرحمن العصيمي، عبدالغفار الصانع، عبدالمجيد الزهير، عبدالله الرشيد، داوود الغملاس، وعبدالعزيز البسام (من عائلة البسام التي نجحت في نقل فسائل نخيل البرحي من البصرة وزراعتها في القصيم في أواخر القرن 19م).
أهم العائلات النجدية التي حكمت إمارة الزبير
ما سبق كان توطئة للحديث عمن يشار إليهم كأبرز وأهم العائلات النجدية التي حكمت إمارة الزبير، وهي عائلة الزهير المنحدرة من قبيلة ربيعة من بلدة العارض النجدية. وآل الزهير نشأوا في حريملاء الواقعة إلى الغرب من الرياض، وتركوا موطنهم باتجاه العراق زمن انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب. وكان أول المهاجرين منهم هو يحيى بن سليمان الزهير وولداه يوسف وسليمان، فألقوا برحالهم في بلدة الزبير حيث بنوا لأنفسهم بيوتا من القصب وبدأوا في استغلال كل الفرص المتاحة لجهة البروز اقتصاديا واجتماعيا ومن ثم سياسيا، إلى درجة أن بعضهم راح يستقدم نجديين ليعملوا كوكلاء لهم على أملاكهم على نحو ما فعله قاسم باشا الزهير حينما ولى حمد نجل عبدالله الصقير (أول من نزح من المجمعة إلى الزبير سنة 1287 هجرية) على أملاكه في الفداغية والقرمة بمنطقة الفاو.
كانت الزبير وقتذاك (في القرن 16 الميلادي)، بلدة صغيرة مهددة من ناحية البادية. وبسبب ذلك تقرر أن يسافر وفد من أهاليها بقيادة أميرهم يحيى الزهير إلى بغداد لاستشارة الوالي العثماني سليمان باشا الذي أشار عليهم بضرورة تشييد سور، وزودهم ببعض الأسلحة. لذا فإن أواخر عهد يحيى الزهير شهد بناء سور الزبير عام 1798. (هدم عام 1914 خلال الحرب العالمية الأولى).
بعد وفاة يحيى الزهير عام 1798 تولى الإمارة إبراهيم الثاقب حتى مقتله عام 1821، وخلفه ابنه محمد الذي ترك الحكم بعد ستة أشهر ورحل إلى الكويت سنة 1822، فانتخب أهالي الزبير في نفس العام يوسف بن يحيى الزهير (نجل أميرهم الأول) حاكما عليهم، إلا أن الأخير وقع في الأسر على إثر هجوم قام به الأمير السابق محمد بن إبراهيم الثاقب مدعوما من رجال المنتفق وتوفي في سجنه سنة 1823. وهكذا عاد محمد الثاقب إلى حكم الزبير وبقي فيه حتى عام 1825 حينما ثار عليه الأهالي وأخرجوه فاضطر للتوجه إلى الكويت مجددا. وعلى إثر ذلك انتخب الزبيريون أميرا جديدا هو الشيخ ناصر بن ناصر الراشد الذي حكم من 1825 إلى 1827 لتعود الإمارة إلى آل الزهير ممثلة في الشيخ علي بن يوسف الزهير الذي انتهى حكمه بوفاته بمرض الطاعون سنة 1831، وعلى إثر ذلك آلت الإمارة إلى أخيه الشيخ عبدالرزاق بن يوسف الزهير، وهذا الأخير كان محبوبا وراجح العقل وكريم النفس وكانت الزبير في عهده على موعد مع الاستقرار والتنمية الطويلين لولا أنه قتل سنة 1833 مع كافة أفراد أسرته على يد الشيخ عيسى بن محمد بن ثامر السعدون أمير المنتفق، باستثناء ابنه سليمان الزهير الذي نجح في الفرار إلى الكويت حيث أجاره شيخها جابر العبدالله الصباح.
بعد مقتل عبدالرزاق الزهير عاد حكم الزبير للمرة الثالثة إلى محمد بن إبراهيم الثاقب الذي استمر يحكم حتى مقتله عام 1838، لتؤول الإمارة هذه المرة إلى أحمد المشاري الذي لم يستمر حكمه سوى نصف عام انتهت باستدعاء أهالي الزبير للشيخ علي بن محمد الثاقب من الكويت وتسليمه الإمارة سنة 1838 لكن الأخير تنازل عن الحكم بعد فترة قصيرة وعاد إلى الكويت، ليخلفه سليمان بن عبدالرزاق الزهير من عام 1838 وحتى عام 1872، وخلال هذه السنوات صار سليمان وكيلا على أملاك الشيخ ناصر السعدون أمير المنتفق، لكن احتدام المشاكل بينهما دفع الأخير إلى سحب الوكالة منه. وفي عام 1872 حدث التباعد بين الزبيريين وأميرهم سليمان الزهير بسبب دخول الأخير في معاهدات غير متكافئة مع الدولة العثمانية، ناهيك عن إدخاله أهل الزبير في حروب ليست لهم علاقة بها، فآثر سليمان ترك الزبير والاستيطان في البصرة المجاورة. وبعد وفاته احتدم الخلاف بين الشيخ ناصر السعدون وقاسم الزهير (ابن خال الشيخ سليمان الزهير)، وهو ما دفع السعدون إلى الاستيلاء على أملاك آل الزهير في العراق.
صراعات آل الزهير والثاقب في حكم الزبير
من السرد التاريخي السابق يتضح أن من أكثر العائلات النجدية التي نافست آل الزهير في حكم الزبير ودخلت في صراعات معهم عائلة الثاقب، وهؤلاء جدهم هو ثاقب بن وطبان بن ربيعة من المردة من الدروع من المصاليخ من بني حنيفة من عنزة، ووطبان هو أمير الدرعية وعمه هو مقرن جد آل سعود الكرام. في القرن 18 الميلادي هاجر نفر من آل وطبان من الدرعية إلى الكويت، حيث سكنوا منطقة القبلة، ومن الكويت انتقلوا إلى الزبير ثم ظلوا يتنقلون بين المنطقتين حسب الأحوال السياسية، فكلما ضعفت سطوتهم ونفوذهم في الزبير تركوها وغادروا إلى الكويت حيث ارتبطوا هناك بروابط مصاهرة مع آل صباح. وطبقا لما ورد في موقع تاريخ الكويت فإن آل الثاقب هم أخوال الشيخ مبارك الكبير وإخوته، وأخوال الشيخة مريم الجراح الصباح والدة الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم والشيخة بيبي السالم، وأخوال الدكتورة سعاد الصباح. ومن أشهر رجالات الأسرة آخر حكامهم في الزبير وهو الشيخ علي بن محمد الثاقب، ومن أشهر نسائهم لولوة محمد الثاقب زوجة أمير الكويت الأسبق الشيخ صباح بن جابر والدة الشيخ مبارك الكبير وإخوته.
رحلة البزول وأيام النزول
يقول الباحث الكويتي صالح غزال العنزي في بحث تاريخي مطول نشره على تسع حلقات في جريدة «الجريدة» الكويتية سنة 2015 تحت عنوان «رحلة البزول وأيام النزول، إمارة المنتفق (1546 1913)» ما معناه أن الإمارات العربية التي تأسست في المنطقة الواقعة بين بغداد والشاطئ الشمالي للخليج العربي من منتصف القرن 16 وحتى بداية القرن العشرين استطاعت أن تؤدي أدوارا على الساحتين المحلية والإقليمية، وكان بإمكانها في فترات قوتها أن تصبح كيانات مستقلة عن العراق، لولا خياناتهم ضد بعضهم البعض، وغير ذلك من الأمور التي جعلتهم لا يستفيدون من الفرص والأوضاع التي تهيأت لهم. ولئن كان هذا الكلام بخصوص إمارة المنتفق فإنه ينطبق أيضا على إمارة الزبير النجدية، خصوصا وأن أمراء المنتفق من آل السعدون لم يتسببوا في انهيار إمارتهم فحسب وإنما ساهموا أيضا بتدخلاتهم في شؤون إمارة الزبير في إضعاف الأخيرة.
وبسبب الروابط الوثيقة بين نجد والزبير فقد زارها ولي العهد الأمير سعود في 1937 خلال زيارته للعراق بدعوة من الملك غازي، ثم زارها سموه في 1953 خلال حضوره تتويج الملك فيصل الثاني، وزارها كملك في 1957 بدعوة من نظيره فيصل الثاني.
إبراهيم الراشد.. آخر حكام الزبير
الحاكم التالي للزبير بعد سليمان الزهير كان عبداللطيف بن محمد العون الذي حكم من 1872 إلى عام 1874، والذي شهدت فترته مشاكل كثيرة أدت إلى عودة الإمارة مجددا إلى آل الزهير في عام 1874 من خلال الشيخ إبراهيم العبداللطيف الزهير الذي خلفه عبدالله بن إبراهيم الراشد الذي حكم من 1886 ونجح في تأمين الاستقرار للزبير قبل أن يترك الإمارة سنة 1897 ويغادر إلى الكويت. وخلال سنوات الحرب العالمية الأولى استلم زمام الأمور في الزبير إبراهيم بن عبدالله بن إبراهيم الراشد الذي وقف موقفا محايدا بين العثمانيين والبريطانيين، ولاسيما خلال معركة الشعيبة الفاصلة التي دارت رحاها بمنطقة البرجسية في الزبير سنة 1915 وانتهت بهزيمة الأتراك. وهكذا كان الشيخ إبراهيم العبدالله الراشد هو آخر حكام الزبير، وقد اختلفت الروايات حول مصيره، حيث قيل إنه أسر وأخذ إلى بغداد وأجبر على التنازل عن إمارة الزبير، وإنه توفي سنة 1925 بعد أن فك أسره.
بعيدا عن الصراعات والصعود والهبوط التي ميزت تاريخ آل الزهير في الزبير، نجد أن هذه الأسرة النجدية لعب أفرادها دورا بارزا ومبكرا في المجال الصحفي في العراق، وأيضا دورا مماثلا في مجالي الشعر والأدب. فمثلا أصدر الشيخ عبدالله بك بن عيسى الزهير (اشتغل بالسياسة والصحافة وكان نائبا عن ولاية البصرة في مجلس المبعوثان العثماني، وعضوا في حزب الحرية والائتلاف) الطبعة العربية من جريدة الدستور في البصرة سنة 1912، وأصدر عثمان الزهير «جريدة المرقب» في بغداد عام 1923، وأشرف سليمان الزهير في عام 1921 على صدور الطبعة العربية من «صحيفة بصرة تايمز» تحت اسم «الأوقات البصرية». وفي مجال الشعر ينسب ما يُعرف ب«الزهيريات» (نوع من الشعر النبطي انتشر من جنوب العراق إلى دول الخليج، وتتكون قصائده من سبعة أشطر ويستخدم فيها الجناس والقوافي المتشابهة والمغايرة) إلى عبدالرزاق بن يوسف بن يحيى الزهير لأنه خط على الأرض ليلة مقتله سنة 1823 موالا شجيا من هذا النوع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.