من نبض طربي بأنامل طفل، إلى شاب مغرم بالأنغام وهائم بالألحان.. ومن ترانيم احتفالات مدرسته الابتدائية، إلى طليعة عازفي التطريب.. ومن تعلُّم الآلات الطربية، إلى إِحكام المقامات الموسيقية والدانات الحجازية.. ومن آلة قانون قديمة إلى أشهر مؤدِّيها محلياً وعربياً.. ومن شغف بالمجرور الطائفي، إلى تجديد التراث الغنائي الحجازي.. ذلك هو الملحن والعازف مدني عبادي. في اقتران بين مدنيَّة الولادة ومكيَّة النشأة؛ تشبَّع من طهارة المكان وأريج البيئة.. وفي صورها التراثية الأخَّاذة وتقاليدها الساحرة؛ سيطر عليه ولع الإرث الحضاري.. وبأخذه من الموروث التاريخي والثقافي الفني؛ احتفل بسمات الفن الحجازي الضخم.. ومن تاريخه الطويل مع اللون القديم والجملة الموسيقية الخالصة؛ أثرى الساحة الفنية بألحان مبتكرة. ومع بدايات مشواره الطربي؛ آنس أشكال الفن السعودي وتعدده وإرثه الشعبي.. وحين أشرق أمام ناظريه مكنوز الأصالة ورقي جمالها؛ تعلَّق بموروثات الثقافة الفنية الفاتنة.. ولما أصاح لكل الألوان الطربية؛ «تسلطنت» أذناه فأخذ من كل الأطياف الجمالية. أما مع العزف؛ هناك رواية محكية منذ العاشرة من عُمره.. فمن «الأكورديون» بمنفاخه الهوائي وموسيقاه الخلابة إلى نغمات «الموليديكا» الشبيه بالأورج.. ومنهما إلى الوتريات؛ العود والكمان.. وحين تأثر بعزف حسين عشي؛ قصد «آلة القانون» المهداة من يحيى لبان، فأحبها ودرسها وأتقنها ثم احترفها. وعند الثمانينات الميلادية؛ اشتهر إعلامياً بأنغامه الطربية وإيقاعاتها.. ومع هرم الحجاز جميل محمود وبرنامجه التلفزيوني العريق «وتر وسمر»؛ تلهَّف مشاهدوه إلى موسيقاه المتفردة.. وبعزفه خلف عمالقة الفن؛ نقش اللحن فازداد رفعة بذائقته الباهرة.. وللمطربين السعوديين الكبار نصيب من نوتة موسيقاه وألحانه. من معاصرة قدامى المطربين والإصغاء للموسيقى الكلاسيكية الغربية؛ عزَّز وجوده في المهرجات الغنائية.. ومن أساطير الطرب العربي القديم؛ تشنفت أذناه بسيد درويش ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم.. ومع الأغنيات الحجازية القديمة؛ أخذ أسس الفن وآدابه من سعيد أبو خشبة وعبدالرحمن مؤذن ومحمد علي سندي.. فتحولت صبابة هوايته إلى صلابة احتراف. ولأن «القانون» بشموليته الموسيقية آلة أساسية بأصواتها في «التخت العربي» مثل «البيانو» عند الأوركسترا الغربية؛ صنع منه تقاسيم متقنة أطربت سامعيه، وعرَّفته على الناس عازفاً مختلفاً؛ فتولعوا بأدائه وبات الأشهر على الإطلاق، ومع كل نضج كان تلهُّف المطربين لعزفه في ازياد. لما تراءت فقاعات الأغنية الحديثة الخفيفة والسريعة؛ فإن الطرب الأصيل في نظره لا يندثر ولا يموت، ولكنه رمى بالمسؤولية على قيادات الفن ورواده لاستجلاب الهوية السابقة للأغنية الشرقية وجوهرها وكلماتها المغناة؛ شعراً ونثراً ونغماً، لتعيش على ذكراها الأجيال المتعاقبة.