إطلالة المطرب عبدالكريم الشعار الجديدة و"الطريفة" في مهرجان جبيل المتوسطي لا تقتصر فقط على الدمج بين الموسيقى والعزف الغجريين والأغنيات العربية الأصيلة التي أدّاها بصوته الشجيّ وأدائه الطربيّ الرفيع، بل تشمل أيضاً ما يسمى "اللوك" أو المظهر إذ أطلّ الشعار حليق الرأس وكأنه فعلاً غجريّ ولكن بحنين عربي أو شرقيّ. إطلالة فيها الكثير من الطرافة وزادتها غرابة الأجواء الموسيقية التي تناغمت فيها الآلات الغجرية أو الألوان الغجرية والمعزوفات مع الأغنيات الطربية الأصيلة الطالعة من صميم التراث العربي. إلا أن الحفلة التي أحياها الشعار في مرافقة فرقة "روم" الغجرية حملت ثلاث أغنيات جديدة، لحنها الفنان ميشال الفترياديس صاحب الفكرة والمشاريع المبتكرة معتمداً جواً ميلودياً خاصاً جداً وفريداً في "هجانته" أي في مزيجه الذي ينفي عنه تبعة النوع الموسيقي. ومثلما لحن ميشال الفترياديس الأغنية بحرية أداها عبدالكريم الشعار بحرية أيضاً مطلقاً العنان لصوته القويّ والملآن والمحفوف بالشجو والطرب. وأولى تلك الأغنيات تستوحي أحوال الغجر في العالم، في حلّهم وترحالهم ،وفي حياتهم التي تشبه المغامرة الكبيرة. تقول الأغنية في مطلعها: "حول منّي ولاد عمّي/ بيسألوني نحنا مين". أما الأغنية الثانية فتستوحي جو السجن في غمزة واضحة الى الحال المزرية التي تشهدها الحرية في لبنان. وعنوانها يدلّ على فحواها: "خافوا من الحرية رَسموا لها حدود". والثالثة من تأليف جلال خوري وتلحين كمال قصار. ويصعب طبعاً الحكم على الأغنيات الجديدة في "سهرة" جميلة وصاخبة بإيقاعات الغجر وألوانهم ورقصهم علاوة على الوصلات "النوَرية" التي أداها عازفان ومطربة من "النوَر" اللبنانيين واستخدمت خلالها آلة البزق الساحرة. ولم يكتف عبدالكريم الشعار بهذه الأغنيات بل راح يؤدي من مخزون الطرب العربي أدواراً وموشحات ومواويل وسواها فأضفى على "السهرة" طابعاً طربياً جميلاً وفريداً نظراً الى العزف الموسيقي الغجري الذي رافق الطرب العربيّ. ولم يبدُ أي تنافر بين العزف وأجوائه الغريبة وبين الأداء الطربيّ. فالميلوديا شرقية وتراثية أصيلة ولكن معزوفة وموزّعة في ايقاعات غجرية. وكم كان جميلاً صوت الشعّار ورخيماً وقوياً في أدائه "يا صلاة الزين" و"فوق النخل" و"زوروني" و"لو كان قلبي معي" و"البلبل نادى غصن البان" و"دلع الحبيب"... ألحان ومقامات جمعها من زكريا أحمد وسيد درويش وناظم الغزالي وبعض الموروث الفولكلوري وأعاد صوغها بصوت عذب قوامه التطريب والارتجال والتلوين وبأداء شرقي أصيل يدرك أسرار النغمة واللحن. ولعل ما زاد من جمال "السهرة" وسحرها المشهد البحري والقلعة القديمة والليل النديّ الذي ينيره قمر الصيف. وفي مثل هذا المناخ عزفت الفرقة الغجرية وأنشدت ورقصت وارتجلت بآلاتها وأتاحت لفرقة "النوَر" اللبنانية أن تشاركها العزف والارتجال والغناء، فإذا الفيولون و"السامبولين" و"الفلوت" تتناغم مع الطبلة والربابة والبزق. والفرقة الغجرية قادها نيكولاي ليونار اسمه الغجري: روم بختليه وهو غجري من والد غجري عاش في موناكو وكان عازفاً للأمير. وإذا اختار عبدالكريم الشعار في الآونة الأخيرة أن يقتصر اطلالاته على المهرجانات بعلبك، بيت الدين، جبيل فهو ربما لم يخطئ. فمثل هذه الاطلالات الراقية تليق بصوته الذهبي وأدائه وترسّخ الخط الأصيل الذي اختاره كهوية غنائية أو انتماء. ولكن المؤسف أن عبدالكريم الشعار لا يطلّ كثيراً ولا ينتج كثيراً، فهاجسه الحفاظ على المستوى الفني والابتعاد عن الجو الاستهلاكي الذي يكاد أن يودي بالأغنية العربية. ولعل الفنان ميشال الفترياديس صاحب الأفكار الطريفة والمفاجآت، قد يكون خير من يحرّض عبدالكريم الشعار على العطاء والاطلالة المتواصلة.