الإمارات العربية المتحدة منذ تأسست عام 1971م على يد الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وهي دولة سلام لا حرب، دولة تعايش لا عصبيات وتنافر، دولة تسامح لا تطرف، ووفقاً لهذا المنطلق لم تتورط الإمارات يوماً بحروب وقتال واضطرابات، بل تورطت بسلام حملت لواءه منذ تأسيسها ورعته في كثير من الدول العربية كدعم السلام في ليبيا واليمن والسودان والصومال وجيبوتي ولبنان وإغاثة كل متضرر من أفريقيا إلى الكاريبي. والاتفاق الذي أقدمت عليه الأسبوع الماضي 13 أغسطس 2020 هو اتفاق لعلاقات ثنائية ودبلوماسية ذو أبعاد استراتيجية وسياسية مهمة ترمي في المقام الأول إلى ضمان استقرار فلسطين ووقف ضم الأراضي الفلسطينية أي (اعطني عهداً أعطك سلاماً) وهو أيضاً اتفاق يعزز حل الدولتين كحل عادل شامل ينهي صراعاً دام أكثر من 70 سنة. لا أعتقد أن هناك من يرغب في 70 سنة أخرى من الصراع والتسويف واستمرار قضم الأراضي الفلسطينية سوى بعض المتربحين والمتاجرين بالقضية سواء من أصحاب القضية أو فئام اليسار العربي والحزبيين الإخوان الذين استخدموا التخوين والصراخ أداة لمهاجمة المبادرة الإماراتية للسلام، ومن تفحص بعض الهجمات سيجد أنها لا تتعارض مع جوهر التطبيع ولكنها تتعارض مع هوية المطبع وصاحب المبادرة، فتركيا مثلاً لديها علاقات مع دولة إسرائيل منذ 1949أي بعد (أشهر) من قيام دولة إسرائيل، وتمثيل دبلوماسي قائم حتى يومنا هذا ولكن «الهوية تشفع» لها كمحضن دافئ لليسار العربي وفلول الإخوان الهاربين الذين تعتريهم البراغماتية السياسية المتبادلة. لست هنا بصدد التبرير لدولة شقيقة وحليف وساند قوي في السراء والضراء، وليست الإمارات بحاجة من يدافع عن مواقفها، فما تم التوقيع عليه هو موقف شجاع وخطوة كبرى في طريق السلام ومعاهدة تمت أمام الملأ وعلى مرأى العالم أجمع، لا في الغرف المظلمة أو من تحت الطاولات كما يفعل منتقدوها، هذا فضلاً عن أن الإمارات دولة مستقلة ذات سيادة ولديها حرية الخيار والقرار لما يتواءم مع مصالحها القومية في واقع جيوسياسي ساخن يدفع الإمارات -وقد يدفع غيرها- إلى الملاذات الحتمية الضامنة لاستقرارها وأمنها، لاسيما ونحن نواجه مشروعين توسعيين يتوغلان في منطقتنا بشكل مزعج، فإيران تهيمن على أربع عواصم عربية وإرهابها يحاصرنا بحروب الوكالة والمليشيات الباغية، وتركيا تزحف غرباً لتحقق حلم أردوغان العثماني التاريخي. إسرائيل أكبر قوة نووية في المنطقة وفي المرتبة 18 عالمياً في القوة العسكرية والعتاد الحربي، فضلاً عن كونها مؤثرة على المجريات السياسية في العالم ولديها نفوذ كبير في المؤسسات السياسية الأمريكية المؤثرة في صناعة القرار العالمي. بقي القول إن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي للسلام الذي تم برعاية أمريكية أطلق عليه «اتفاق إبراهيم» نسبة إلى الرمزية الدينية لسيدنا إبراهيم عليه السلام أبو الديانات السماوية الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية) التي تمثلت في الساسة الثلاثة الذين نفذوه وينتمون لتلك الرسالات. كاتبة سعودية hailahabdulah20@