قمرٌ شاحبٌ.. يتأملني يتلصّصُ من فُرجة النافذة وأنا أتحاشى التماعةَ عينيَ في عينهِ أتلهَّى بهذا البياضِ المعمّى على الورقِ المتململِ مثلي على طرفِ الطاولة ألُمُّ شتاتَ البياضِ أبعثرهُ أحتويهِ أجُسُّ حُشاشةَ أنفاسهِ بارتعاشِ الأناملِ أقرأُ.. أو أتهجى البياضَ الفصيحَ أرى أبداً يتمدّدُ حولي جميلاً.. بريئاً بطيئاً.. بطيئاً.. يمرُّ أصيخُ لصوتِ خطىً هاطلاتٍ من الغيبِ تقطعُ مسرعةً كلَّ هذا البياضِ وتمضي إلى.. لستُ أعرفُ أينَ خطىً ذاهباتُ خطىً قادماتُ ولا شيء قبلُ ولا بعدُ تبيضُّ عينُ الحقيقةِ تخبرني أنَّ هذا السوادَ الذي يلبسُ الليلَ فخٌ قديمٌ يبدلُ أزياءَه كلما اهترأَ الوقتُ وانكمشت رئتاهُ يحاولُ هذا السوادُ المباغتُ ما لا يطيقُ فيأسى.. وينسى على مشجب الصبح معطفهُ كلما أرهقتهُ الكمائنُ أرخى سدولَ الخديعةِ واسودَّ منه البياضُ الأصيلُ وشيئاً فشيئاً ستذبلُ هذي الخديعةُ ينحسرُ الليلُ عن جسدٍ معتمٍ تائهٍ في سديمِ البياضِ يمرُّ ملاكاً جميلاً ويمحو الدروبَ التي نزَفتها القلوبُ وشذّت من الوهمِ ألوانُها وها هي بيضاءَ.. بيضاءَ تبدو كأنْ لم يكن مسّها السوءُ من قبلُ المجدُ للأبيضِ المتفرِّدِ في ملكوتِ الخلودِ النهائيِّ يمضي فتخضرُّ ذاكرةٌ للزمانِ يضيءُ فيزرّقُّ وجهُ المكانِ ويصفرُّ يحمرُّ يسودُّ تخرجُ من كل لونٍ سلالاتُهُ ثم تمضي لتغرقَ في الأبدِ الأبيضِ المتجدَّدِ مثلي تماماً وقد غرِقَت في البياضِ المبعثرِ عينايَ وانبثقَ الخُلدُ محتشداً بالأحاجي.. الأساطيرِ لكنني.. لا أطيقُ احتمالَ الأبدْ. أريدُ لهذي القصيدةِ -أعني التي لم تزل في ضميرِ البياضِ- الخلودَ. لذا سوف أكتبها بمدادِ البياضِ على ورقٍ من بياضِ أبيِّضُها مرةً بعد أخرى وأقرأُ هذا البياضَ الفصيحَ أتيهُ به.. أنتشي كالمجاذيبِ تبدو القصيدةُ بيضاءَ مثلي مثاليةَ لا تدخِّنُ أو تحتسي أيِّ شيءٍ سوى الشايِ أو قهوةِ النسكافيهِ الخفيفة خذ أيها القمرُ الشاحبُ المتأملُ ما سوف يكفيكَ من فيَضانِ البياضِ المبعثَرِ عندي وجرِّب غداً أن تُطلَّ على جهةٍ ثانية.