لا يريد كوفيد-19 أن يذهب ويترك عالمنا في سلام. وكان يراودني -بحكم وجودي في لندن، التي كانت أسوأ بقاع بريطانيا تضرراً من تفشي فايروس كورونا الجديد- شعور قوي بأن الفايروس لا ينتقل فقط من خلال المخالطة، أو إذا سعل أو عطس شخص بقرب آخر؛ بل اتجه حدسي إلى أن هذا الشيء المخيف يتجول حراً طليقاً في الهواء! ولم يكن ممكناً التحدث في ذلك مع الآخرين؛ لأن الإجماع العلمي هنا انعقد على أنه ينتقل فقط بطريقتين لا ثالث لهما، لكن الرسالة التي وجهها أمس الأول 239 عالماً، من 32 دولة، إلى منظمة الصحة العالمية، لحضها على إعادة النظر في توصياتها إلى الحكومات والشعوب بشأن طرق تفشي الوباء، لتشمل تفشيه عبر التيارات الهوائية أشفت غليلي. وكان أكثر ما يحيرني أن كثيراً من المعارف والجيران أصيبوا بالفايروس من دون أن يغادروا منازلهم طوال الفترة التي أعقبت اندلاع الجائحة؛ كيف التقطوا العدوى؟ كيف تسرب الفايروس الشرير إلى منازلهم المغلقة؟ ورأى العلماء ال239 في رسالتهم أن ثمة أدلة تثبت أن أجزاء دقيقة من الفايروس يمكن أن تظل معلقة في الهواء، وتستطيع إصابة الأشخاص داخل بيوتهم. ومن شأن ذلك أن يغيّر حياة الناس داخل منازلهم بشكل جذري. فهو يعني، في حال قبول المنظمة العالمية بمضمون الرسالة، أن تصدر نصائح لسكان العالم بضرورة ارتداء «الكمامات» داخل البيوت، وليس عند خروجهم منها فقط! وسيعني ذلك أيضاً أن أنظمة التهوية في المدارس، والمساكن، ودور المسنين، ومجمعات المكاتب لا بد من إضافة «فلاتر» إلى وحداتها الخاصة بتكييف الهواء. كما أنه قد يصبح لزاماً على الحكومات استخدام الضوء فوق البنفسجي لقتل الجزئيات الفايروسية في الهواء قبل نقلها العدوى إلى البشر. وقال العلماء ال239 في رسالتهم إنهم ينوون نشر دراسة الأسبوع القادم في مجلة علمية محكمة لشرح الأدلة التي توصلوا إليها، لكن صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية ذكرت (الأحد) أن علماء المنظمة يرون أن الأدلة بشأن انتقال الفايروس عبر الهواء غير مقنعة، ونسبت إلى رئيسة الفريق الفني لمنع تفشي العدوى في منظمة الصحة العالمية بينيديتا أليغرانسي قولها: «ظللنا نقول بوجه الخصوص خلال الشهرين الماضيين إننا نعتبر التفشي عبر الهواء ممكناً، لكن من المؤكد أن ذلك لا يسنده دليل قوي أو واضح». ولا يزال العلماء يتجادلون حولما إذا كان بمستطاع جزئيات الفايروس يمكن أن تبقى ناشطة وقادرة على إصابة من يستنشقونها بعد ساعات من انطلاقها في الهواء. وقال علماء الحكومة الأمريكية في مارس الماضي إن الفايروس قادر على البقاء ناشطاً في الهواء لنحو ثلاث ساعات، وإنه يمكن أن يبقى ناشطاً من يوم كامل إلى ثلاثة أيام على البلاستيك والصلب. الصينيون: الفايروس موجود في الهواء في أبريل الماضي، خلصت دراسة أجراها باحثون صينيون في مدينة ووهان، إلى أن الفايروس يمكن أن يسبح في الهواء وقتاً أطول في الأماكن المزدحمة بالناس. وجاء ذلك بعد تحليل عينات من الهواء من أرجاء مختلفة في مستشفيين في ووهان. وتوصل الباحثون إلى وجود جزئيات فايروسية في هواء دورات مياه المستشفى، خصوصاً ذات التهوية الضعيفة. كما وجدوا كميات من تلك الجزئيات في الغرف التي يخلع فيها الكادر الصحي ملابسهم العادية ليرتدوا أزياء الحماية الشخصية. وأشارت تلك الدراسة الصينية إلى أن الفايروس يلتصق بالملابس، وينتقل إلى الهواء عند نزع القناع والقفازات والعباءات الواقية.