قبل وصول جائحة كورونا وبعدها؛ كان من رحمة الله علينا ومحبته لنا أن وضعت الدولة إجراءات وقائية للحماية من هذا الوباء، ومن تلك الاحترازات إغلاق الحرمين الشريفين والمساجد، ومع الحزن العميق الذي أصاب مرتادي المساجد إلا أنهم على يقين أن ذلك الإجراء من باب الحرص على سلامتهم والسعي الدائم لرعايتهم. وكأحد قاطني مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، لم تغب كل زاوية في المسجد النبوي عن بالي منذ إغلاقه الاحترازي، أراها في خيالي كلما أغمضت عيناي، وتلاوات أئمته لم تغب عن مسامعي، ولم أشاهد البث المباشر للصلوات لأنني كسائر المحبين تغلبنا قبل التأمين الغبطة والاشتياق، في كل ليلة أطلب من الله سبحانه أن يعم علينا ما بذلك الدعاء من الرحمات والبركات، ولما بلغ الشوق في القلوب ما بلغ وجاء فجر العيد رفعت أذان الفجر في أحد المساجد فضاقت نفسي بالعبرة، وبعد الأذان شرعت بقراءة بعض الآيات القرآنية، ولم أتمالك نفسي وسال دمعي دفاقاً حزناً على فراق مسجد رسول الله واجتماعي مع الأحباب في رحابه الشريف، وكنت أناجي ربي بعد كل آية ختمت بالثواب والعقاب ليعجل الله بالرحمة ورفع البلاء، وعند العودة (8 شوال)، كنت أحد المشتاقين الذين سارعوا للذهاب والصلاة في المسجد النبوي لأداء صلاة ظهر ذلك اليوم، وعند دخولي إليه بعد غياب كنت كحديث عهد باليقظة بعد النوم، وكان عقلي يحاول نسيان الأيام الخوالي وكأنها حلم مزعج، وعند رفع الأذان ومن بعده صوت تكبيرة الإحرام بلسان الشيخ علي الحذيفي، كان لهما وقع في القلب كوقوع الماء في جوف من اشتد به الظمأ، وأضحت القلوب تخفق كالطير بين آفاق السماء وتظهر للعالمين ما أصابها من السعادة التي تعجز الكلمات عن وصفها، وكنت أشعر برغبة في النوم في إحدى زوايا هذا المكان المبارك كالطفل الذي يبحث عن الأمان وينام بين أحضان أمه بحثاً عن الراحة والاطمئنان. أسأل الله أن لا يحرمنا من نعيم الجوار، وأن يجعلنا من أهل جواره في الفردوس الأعلى ومن نحب في كل الديار.