الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبر فيه العربيّ عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها أو يسمع بها، يعيش تفاصيلها، تملؤها الحكمة الأخّاذة، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، وإن شابته بعض الشوائب لا تعكر صفوه الجميل، ومن الشعراء عبدالعزيز بن سرايا بن أبي القاسم الطائي، والملقب بصفي الدين الحلي (1277 - 1349م) ولد ونشأ في الحلة؛ بين الكوفة وبغداد، كان أول من نظم البديعيات. وله ديوان «درر النحور». وقد كان ينظم الحلي في فنون الشعر باللهجة المحكية في زمانه، كالزجل والموشح. عاش في الفترة التي تلت مباشرة دخول المغول لبغداد وتدميرهم الخلافة العباسية مما أثّر على شعره، نظم بيتاً لكل بحر سميت مفاتيح البحور ليسهل حفظها. بعد هزائم جيش الإيلخان المغولي على يد القبائل العربية في بادية الأنبار والشام، قاد حملة كبيرة من خيرة فرسانه، والتقى الجمعان في الأنبار على ضفاف نهر الفرات، لكن القبائل وحّدوا صفوف قيادتهم بإمرة قبائل طيئ، فرأى الإيلخان المغولي من هيبة القبائل العربية ما هابه، واضطره إلى الهروب لما حمي الوطيس، وهو يقول: «ما رأيت كهذا الذي رأيته قط»، فجاءت قصيدة صفي الدين لتخلّد هذه الانتصارات: سَلي الرّماحَ العَوالي عن معالينا واستشهدي البيضَ هل خابَ الرّجا فينا لمّا سعَينا، فما رقّتْ عزائمُنا عَمّا نَرومُ، ولا خابَتْ مَساعينا يا يومَ وَقعَةِ زوراءِ العراق وقَد دِنّا الأعادي كما كانوا يدينُونا بِضُمّرٍ ما رَبَطناها مُسَوَّمَة إلاّ لنَغزوُ بها مَن باتَ يَغزُونا وفتيَة إنْ نَقُلْ أصغَوا مَسامعَهمْ لقولِنا، أو دعوناهمْ أجابُونا قومٌ إذا استخصموا كانوا فراعنة يوماً، وإن حُكّموا كانوا موازينا تَدَرّعوا العَقلَ جِلباباً، فإنْ حمِيتْ نارُ الوَغَى خِلتَهُمْ فيها مَجانينا إنَّ الزرازيرَ لما قامَ قائمُها توهَّمت أنهَا صارَتْ شوَاهِينا بيادقٌ ظفرتْ أيدي الرِّخاخِ به ولو تَرَكناهُمُ صادوا فَرازينا ذلّوا بأسيافِنا طولَ الزّمانِ، فمُذْ تحكّموا أظهروا أحقادَهم فينا لم يغنِهِمْ مالُنا عن نَهبِ أنفُسِنا كأنّهمْ في أمانٍ من تقاضينا أخلوا المَساجدَ من أشياخنا وبَغوا حتى حَمَلنا، فأخلَينا الدّواوينا ثمّ انثنينا، وقد ظلّتْ صوارِمُنا تَميسُ عُجباً، ويَهتَزُّ القَنا لِينا وللدّماءِ على أثوابِنا علَقٌ بنَشرِهِ عن عَبيرِ المِسكِ يُغنينا فيَا لها دعوة في الأرضِ سائرة قد أصبحتْ في فمِ الأيامِ تلقينا إنّا لَقَوْمٌ أبَتْ أخلاقُنا شَرفاً أن نبتَدي بالأذى من ليسَ يوذينا بِيضٌ صَنائِعُنا، سودٌ وقائِعُنا خِضرٌ مَرابعُنا، حُمرٌ مَواضِينا لا يَظهَرُ العَجزُ منّا دونَ نَيلِ مُنى ولو رأينا المَنايا في أمانينا إذا جرينا إلى سبقِ العُلى طلقاً إنْ لم نكُنْ سُبّقاً كُنّا مُصَلّينا نَغشَى الخُطوبَ بأيدينا، فنَدفَعُها وإنْ دهتنا دفعناها بأيدينا