في الوقت الذي احتمى الناس في بيوتهم من خطر كورونا، فإن أصحاب المعاطف البيضاء (الفرق الطبية) تسابقوا لمد طوق النجاة للمصابين إيماناً بنبل الرسالة، أما تعرضهم للأخطار فهو أولية ثانوية عندهم، وربما لا تكون واردة في معظم الأحيان. وإذا كانت جائحة كورونا سلطة الأضواء على دورهم الهام الهائل وعملهم الضخم، فإن هؤلاء الأبطال يتحملون عناء نفسياً وصحياً وبدنياً بصمت.. يتعرضون لمخاطر حقيقية، ويعزلون أنفسهم عن أحبائهم خوفاً عليهم. ورغم تلك التضحيات المحفوفة بالمعاناة والعنت والتعب وسهر الليالي؛ لم يتقاعس أي من أولئك أصحاب الأيدي الرقيقة والقلوب الرحيمة، ولم يترددوا عن تأدية واجبهم الإنساني النبيل، وحمل الراية في الصفوف الأمامية لمواجهة ذلك العدو المرعب الخفي. وهاهم مئات الأطباء السعوديين حول العالم يعملون إلى جنب أطباء الدول العالمية ضد معركة كورونا في أروع صور التضامن الإنساني؛ ففي ألمانيا 650 طبيباً سعودياً نعتوا من الألمان ب«رفقاء الدرب»، وفي أمريكا ثمن الإعلام الأمريكي بطولة الطبيب عبدالرحمن اللغبي الذي أصيب بالفيروس أثناء محاربته للمرض في مستشفى ميشيقن ليعود بعد شفائه لمواجهة الفيروس مرة أخرى، وتبرع ببلازما النقاهة للمرضى الذين لم يتعافوا. وثمة مسيرة طويلة من المركبات في إحدى المدن الأمريكية تمر أمام بيت الطبيب الباكستاني الأصل سعود أنور تحية له وتقديراً واعترافاً بدوره في خدمة ضحايا كورونا، وطائرات أمريكية رسمت حلقات تشكيلية فوق واشنطن وبلتمور وأطلانطا تقديراً للكادر الطبي المواجه لكورونا. وفي صعيد آخر لأصحاب المعاطف البيضاء؛ تداول العالم في إشادات عميقة بالشهداء من الأطباء العرب في المستشفيات البريطانية، منهم استشاري الباثولوجيا الدكتور سامي شوشة (بريطاني من أصل مصري) في مستشفى كلية أمبريال الملكية، وسبقه السودانيان الدكتور أمجد الجوراني والدكتور عادل الطيار وكلاهما من السودان، والدكتور حبيب الزيدي من أصل عراقي، وما كان من ردة فعل من شعوب العالم لأصحاب المعاطف البيضاء، الذين أثبتوا أنهم على قدر المسؤولية ضد هذا المرض. أخيراً.. هذه المبادرات التي سردتها وغيرها؛ أتمنى أن نلمسها في عالمنا العربي، وجميل ما فعلته المملكة من الإعلان عن علاج جميع المصابين دون استثناء. أرجو أن يأذن «كورونا» بعهد جديد يحظى فيه الكادر الطبي بما يستحق من إنصاف وتقدير.. نريد أن نرفع القبعة لأصحاب المعاطف البيضاء.. إنهم يستحقون.