صدر بيان لأكاديميين فلسطينيين في مجموعة تُسمى ب «بالاك: Palestine Academic Group (PalAc)» حول التجاذبات بين الإخوة في فلسطين وأشقائهم في المملكة العربية السعودية. وجاء مخيباً للآمال وأساء من حيث أراد أن يحسن. ولعله من المناسب أن أورد عدة ملاحظات على هذا البيان. أولاً: صوّر البيان المسألة وكأنها حول فعل صدر من الشعب العربي السعودي ابتداءً، ثم تبعته ردة فعل من الأشقاء في فلسطين. وهذا التصوير غير صحيح ويلغي أي قيمة لهذا البيان. وبهذا ولد ميتاً ولا أثر له أو قيمة. ولعل هذه الأسطر تكون مفيدة في المرات القادمة عندما يحاولون تبرير الإساءة المقبلة التي ستصدر بحقنا. وهي قادمة لا محالة. لا داعي لأن أُذكر بعبارة «إضرب إضرب يا صدام» والتي تقف على قائمة طويلة من المواقف ضدنا، بل سأكتفي بالإيماء إلى الإساءات الممنهجة التي تصدر عن شخوص إعلامية وأكاديمية وبشكل متكرر، تنال من أخلاقنا وقيمنا ودولتنا وقياداتنا وتاريخنا. هذه الإساءات بحقنا تتكئ على موقف عنصري قديم تجاهنا تلخصه عبارة «بدو النفط». تحاول هذه العبارة أن تستنقص منا، نحن أحفاد ملوك كندة وقيدار ودادان، وأصحاب عكاظ والمعلقات، وأهل السقاية والرفادة وسدنة البيت وخدامه، وحملة لواء الفتوحات التي حررنا فيها العراق من فارس والشام من الروم وفتحنا فلسطين ومصرنا الأمصار من خراسان شرقاً وحتى الأندلس غرباً. وكل ما يعيبه علينا هذا الموقف العنصري من بداوة كانت هي سبب وقوفنا الصلب مع أشقائنا في كل مكان، بمن فيهم الأشقاء الفلسطينيون منذ عام 1935 في مؤتمر الطاولة المستديرة وحتى «قمة القدس» في الدمام عام 2018 واجتماع جدة في 2019. ووُظفت هذه المواقف العنصرية إبان الحملات التوسعية باسم القومية العربية في الستينات والسبعينات، وكبرت حتى أصبحت بقرة سمينة يحتلب منها كثير من أشقائنا العرب الآن في الحملات القطرية والتركية والإخوانية التي تُشن على بلدنا ومستقبلنا وأمننا. وحتى هذه اللحظة، يسير بعض أشقائنا في فلسطين في ركب الخطيئة القطرية بحق عروبتها وإخوتها، وينهشون من لحومنا ليل نهار، ممتطين هذه البقرة وهم يتوهمون أنها فرس جدي المهلب بن أبي صفرة الأزدي. لم تكن البداية من إعلامي يعيش في أوروبا واعتدى على أعراضنا، ولا من رسام كاريكتيري فرح بهبوط أسعار النفط ليشمت بنا، ولا من موظفي قناة الجزيرة الذين فجروا في الخصومة خدمة لقطر وطمعاً في أموال قطر، ولا من الأكاديميين الذين يطوفون إسطنبول وبروكسل وباريس وبرلين وواشنطن للنيل منا ومن مصالحنا الوطنية. ليست البداية من هؤلاء الفجار، بل سبقهم فجور وجور عظيمان. لم يتطرق هذا البيان لأي شيء مما حل بنا، وكأن أعراضنا مستباحة، وبهذا حملنا المسؤولية الكاملة عما بدر من أشقائنا في فلسطين. وأدهى من هذا كله أن يسمي البيان إساءات بعض الأشقاء في فلسطين ب«الرد». ثانياً: صور البيان المسألة، التي حملنا مسؤوليتها، وكأنها ذات هدف استراتيجي بعيد وهو «التطبيع» مع العدو الإسرائيلي. وهذا استغفال لنا وإساءة تُضاف إلى قائمة الإساءات التي نتعرض لها من بعض أشقائنا في فلسطين، ليل نهار. بل وتذكرنا هذه الإساءة بدور الإعلاميين الفلسطينيين الذين يسبحون في فلك قطر والإخوان المسلمين وتركيا. أولئك الذين كانوا يطوفون على العرب في المضاجع ويصيحون: «السعودية تطبع! السعودية تطبع!» خدمة لحملات الهجوم المتزامنة التي تشنها قطر وزبانيتها علينا. ونحن على يقين بأن الموقّعين على البيان يعرفون هذه الحملة جيداً. بل وتذكرنا هذه الإساءة بتعاميهم عن خطابات حماس بحق الإرهابي قاسم سليماني الذي رتع في دماء أطفال سورياوالعراق، وتذكرنا بالصمت المطبق عن الفرق الرياضية الإسرائيلية ورئيس الموساد في الدوحة والشركات الإسرائيلية في أنقرة، بل وبالعمال الذين يبنون مستوطنات إسرائيل نفسها. نتذكر هذا كله حين نقرأ البيان الذي يتذاكى علينا حين يضع المسألة في سياق التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وكأن اعتداءات بعض الإخوة في فلسطين علينا وعلى أعراضنا وعلى كرامتنا لا علاقة لها بشعور الغضب والإحباط الذي ينتابنا! ثالثاً: يسمينا البيان «ذباباً إلكترونياً»، وهذه إساءة أخرى تضاف إلى قائمة الإساءات. أوكلما عبر أستاذ جامعي، أو أديب أو موسيقي أو فنان أو مفكر، عن استيائه من قطر وزبانيتها والحملات الشعواء التي يعلم جميع الموقّعين على البيان عن الملايين التي تُصرف عليها، أصبحنا ذباباً؟ هذه التسمية هي اصطفاف مع قطر، لا يختلف عن اصطفاف «اضرب اضرب يا صدام»، ومع زبانية قطر الذين حين أهدفنا صدورنا لرماح إيران، دفاعاً عن أمن الخليج العربي وأمن العالم العربي وسيادة الدول العربية، غدروا بنا وانقضوا على ظهورنا كالوحوش، وفي أنيابهم منا دمُ. رابعاً: لم نسمع بهذه المجموعة من قبل، ولم نرَ لها أي موقف تجاه حملات الهجوم المتزامنة التي تتعرض لها المملكة، ولم نسمع لهم كلمة واحدة في حين أن بعض أشقائنا في فلسطين منذ عقود، وقبل أن تُخلق قناة MBC، يهاجموننا وينعتوننا بأقبح العبارات. ألا تستحق أعراضنا وكرامتنا من المجموعة كلمة «كفى» بوجه المسيئين؟ خامساً: الموقعون على البيان أكاديميون. وكان الأولى بهم الالتزام بالمنهج العلمي في تقصي أصل المسألة، وتفاصيلها وأسبابها، وعدم الانحياز، وليس الانتقاء من بين «المعطيات» ما يناسبهم. فصحيح أن قناة MBC عرضت مشهداً في مسلسل، لكن هل كان المشهد هو البداية؟ أهذا ما تمليه عليهم منهجيتهم؟ وأخيراً: حفظ الله فلسطين وأهلنا هناك، وحفظ الله بلادي قلب العروبة وقبلة الإسلام وأهلي العظماء، أحفاد الملوك والصحابة. * كاتب سعودي dr_almarzoqi@