تحتل معارض الكتاب واجهة الفعاليات الثقافية في العالم، بحكم ما تشهده من قوة شرائية وما تتيحه للمؤلفين والناشرين والمبدعين والقراء من فرص اللقاء والحوار وتوقيع الإهداءات، فيما تسهم الفعاليات الفكرية والأدبية والعروض في خلق حيوية تجمع بين الشعوب والثقافات والأمم والحضارات. ويتطلع منظمو معرض فرانكفورت للكتاب الذي انطلق قبل ما يزيد على 70 عاماً ألاّ يحل شهر أكتوبر إلاّ وقد انتهت أزمة العالم مع فايروس كورونا حتى لا يتأجل كما تأجل معرض بيروت الذي توقف عند دورته ال62. وتعلّق معرض الرياض بحكم خطورة وتداعيات هذا الوباء، وربما تتعلق وتتأجل دورات معارض كتب تمتد من المحيط إلى الخليج. فيما يقترح مثقفون البحث عن بدائل وتوفير حلول عاجلة؛ منها إقامة معارض كتاب عن بُعد، وتفعيل المنصات الإلكترونية، إذ تؤيد الكاتبة رحاب أبوزيد التوجه نحو المعارض الافتراضية بحكم أن هناك تجارب سابقة لدور نشر تعرض الكتب إلكترونياً مع خدمة التوصيل والنشر عبر المنصات عند الطلب، إلاّ أنها ترى في معارض الكتب الواقعية حالة وجدانية ترتبط بالتواصل والحميمية بين الناشر والقارئ والمؤلف. ويرى رئيس مركز أبوظبي للغة العربية الدكتور علي بن تميم أن غاية معارض الكتاب تنمية القراءة وعقد الاتفاقات من أجل صناعة الكتاب، والتواصل مع الجمهور كون القراءة ظاهرة مجتمعية، وعدّ إقامة معارض الكتب في ظل انتشار جائحة كورونا مغامرة خطرة لا تحمد عقباها، ويذهب إلى أن المعرض الافتراضي، يحتاج دراسة جدوى بحكم انثيال متوالية من الأسئلة منها: هل ستضيف عناوين أكثر مما هو متوفر على منصات بيع الكتب العالمية المعروفة؟ وأضاف: «إن كانت الإجابة بنعم، فكيف يمكن طلب الكتب وشراؤها؟ هل ستكون كتباً إلكترونية رقمية أو صوتية، أم ستكتفي بالكتب الورقية التي يتعثر إرسالها هذه الأيام في زمن الجائحة التي عطلت انتقال الكتب؟». وتطلع ابن تميم إلى مواكبة الكتاب العربي للتحول إلى الكتب الرقمية سواء الصوتية أو المقروءة وأن تتطور الآليات وتتغير صناعة الكتاب من كونه كتاباً ورقياً إلى كتاب رقمي، وأن يصدر الكتاب الورقي جنباً إلى جنب النسخة الإلكترونية والصوتية، كون التحديات الآنية فرصة حقيقية لتحقيق ذلك، ولفت إلى أن جائحة كورونا قد تغير مفهوم الكتاب على نحو جوهري، ومن ثم فإن مفهوم الثقافة سيتغير؛ ولذا ندعو العرب والمعنيين بالكتاب إلى مؤتمر يشارك فيه صناع الكتاب لمناقشة المعطيات التي أثرت تأثيراً ضخماً وخطيراً على الكتاب العربي فتراجع وانحسر، علماً أنه كان قبل «كورونا» يعاني. وثمّن ابن تميم تأجيل معارض الكتب وإلغاءها، وعده تأجيلاً وإلغاء في محله، ودعا إلى العمل على دعم الناشرين العرب حتى لا تبور هذه الصنعة الثقافية وتختفي، بحكم مؤشرات التراجع المخيفة، وقال: «يمكن أن تكون معارض الكتب الافتراضية جزءاً من الحل». وعد السفير الدكتور سعود كاتب الفكرة جيدة وقابلة للتطبيق شريطة أن تتوافر لها العوامل الفنية المختلفة الخاصة بالعرض الجيد وتطبيقات التجارة الإلكترونية المتطورة بما فيها أنظمة الحماية. إضافة إلى التسويق الجيد ومرونة الأنظمة والقوانين في الدول المختلفة المشاركة. وأكد القاص جبير المليحان أنه توجد كتب كثيرة بصيغة pdf، إلا أن إقامة معرض افتراضي تعترضه حقوق الملكية الفكرية. إضافة لطموح دور النشر إلى العائد المادي الذي لن يتحقق بشكل مجزٍ في تنفيذ هذه الفكرة. وأوضح الشاعر علي الحازمي أن هناك بعض دور النشر تنبهت باكراً لتلك النوعية من القراء، وأقصد قارئ الكتاب الإلكتروني، وقامت بتهيئة إصداراتها على هذه الصيغة لتصل لتلك النوعية من المتلقين، ويراها شريحة عريضة من القراء ولا يمكن لأي ناشر بأي حال من الأحوال أن يتجاهلها، وقال: «على الرغم من أنني محب للكتاب الورقي وعلاقتي معه قديمة ولا أظنها ستتغير، إلا أنني مع كل ما من شأنه أن يسهم في إثراء المدارك والأفئدة». مضيفاً: «أنا مع توفر الكتاب للقارئ بطريقة جديدة تتواكب مع معطيات لحظتنا الراهنة بكل آلامها وقيودها». ووصف الناشر محمد ربيع الغامدي معارض الكتب الافتراضية بالقفز على موانع المكان، وعدّها ميدان عمل النشاطات الافتراضية كلها، كون القمم الكبرى نجحت في الانعقاد افتراضياً، ومن باب أولى أن تصلح التواصلات عن بعد فيما دون ذلك. وعبّر عن ثقته في قدرة البرمجيين على تصميم تطبيق مناسب لمعارض كتاب عن بعد، تشارك فيه دور النشر والمكتبات، ويتابعه المهتمون من القراء وزبائن الكتب، وتطلع إلى أن تجد الجهات المنظمة نفسها أمام معارض أقل كلفة وأوسع انتشاراً وأكثر قابلية للرقابة ولكنها قد تفقد جزءاً كبيراً من عوائدها المألوفة. ويرى الشاعر محمد عابس أن كل شيء ممكن تقنياً وافتراضياً ويراه حلاً جديراً بالاهتمام، إلا أن معارض الكتب ارتبطت بطقوس وبرامج وفعاليات مختلفة باعتبارها سوقاً يشترك فيها المنظمون والعارضون والمشاركون والزوار. وعد الكتاب الإلكتروني أحد الحلول المعاصرة، بحكم تصاعد الشراء الإلكتروني من المواقع المشهورة أو من دور النشر المحترفة. وتحفظ الإعلامي خالد الخضري على فكرة إقامة معارض كتب افتراضية، ويراها غير ذات جدوى حالياً، بحكم أن «الوبسايت» يكتظ بالكتب التي يمكن تحميلها مجاناً، والتي منها الكتب الإلكترونية، أو تلك التي تم تحويلها بنظام ال( pdf)، ويرى أن أساليب التلقي اليوم تتعدد ولم تعد مقتصرة على الكتاب فحسب، ما يتيح للشخص أن يثقف نفسه، ويوسع اطلاعه من خلال اليوتيوب، وكل ما يزخر به من زخم فكري ومعرفي خلاف التسلية والترفيه، إضافةً إلى الكتاب المسموع، والمحاضرات والحوارات والنقاشات وعروض «البرزنتيشن» التي تقدم على شكل دورات وغيرها من المواد الكثيرة، كلها متاحة للمتلقي اليوم. وأضاف: «يمكن نشر الثقافة عبر مبادرات تطوعية، أو عبر هاشتاق أو من خلال البريد الإلكتروني».