لا يشبه العمل في دار النشر هذه، نظيره في أي دار أخرى. صحيح أنها دار نشر عربية. وصحيح ايضاً أن العاملين فيها مواطنون عرب معظمهم مصريون شأن الكثير من دور النشر في عالمنا العربي. إلا أن عمل دار النشر الالكتروني"كتب ارابيا.كوم" www.kotobarabia.com مختلف. ويمكن رؤية هذا الاختلاف من النظرة الاولى، ومن دون الحاجة إلى خبرة متخصصة في صناعة النشر. عمل الشباب الالكتروني في البداية، تلاحظ ان الوجوه العاملة شابة جداً شكلاً وموضوعاً. وعلى رغم أن خطوط الزمن لم تعرف طريقها إلى وجوههم بعد بحكم السن، إلا أن خطوط المعرفة التكنولوجية والخبرة المعلوماتية واضحة كل الوضوح في حركاتهم وتصرفاتهم وحتى لهجتهم التي تتلاحق في جملها كلمات من نوع"داون لود"Download تحميل، و"بي دي اف"PDF ملفات رقمية مصورة، و"داتا بايز"Data Base قاعدة معلومات، Websiteموقع الكتروني، و..."الكترونيك"Electronic الكتروني ، التي تشبه كلمة السر لكثرة تردادها على شفاههم، وغيرها. وتتابع الفروق، وكأن لا نهاية لها. فترى عيناك ان مكاتبهم ليست مثقلة بأكوام مرصوصة من الأوراق، وبروفات الكتب، والأدراج ليست محملة بأحدث الإصدارات وأندرها، كما يكون الحال عادة في دور النشر الورقية. وفي المقابل، تصدمك كثرة الأجهزة الالكترونية من كل نوع، مثل الكومبيوتر والماسحات الضوئية"سكانرز"Scanners، والطابعات الرقمية والاقراص الصلبة المتحركة ، و"عصي"المعلومات من نوع"فلاش ميموري ستيكس" Flash Memory Sticks وغيرها. وفي اعماق الادوات اللامعة، تتراكم"البضاعة"- إن صح التعبير - من كتب أدبية وروائية واجتماعية العربية، او التي تتحدث عن العرب. وعلى رغم ولادتها حديثاً في القاهرة، فإن شهادة ميلادها تحمل قائمة طويلة من تواقيع أشهر الكتَّاب المصريين والعرب الذين سارعوا إلى إمضاء عقود نشر أعمالهم وإبداعاتهم لتخرج إلى قرائهم في حلة إلكترونياً معاصرة. ومن تلك الأسماء، مثلاً، الفريد فرج إبراهيم عبدالمجيد، أمين حداد، أحمد الشهاوي، إدوار الخراط، جمال البنا، جمال الغيطاني، حسن حنفي، خيري شلبي، سعيد الكفراوي، ميسون صقر، ميلاد حنا، نوال السعداوي، سعيدة خاطر الفارسي، فاروق مواسي، محمد علي طه، محمد المغربي عمران وغيرهم. ابتدأت فكرة الدار عندما أسس عضوا الشركة، رامي حبيب مصري - كندي وجهاد البواردي سعودي دار نشر إلكترونية في الخارج، حملت اسم 2ndChance Bublishing.com، وترجمتها"ناشرو الفرصة الثانية". وسَعَيَا الى إعادة نشر الكتب التي نفدت من الأسواق، في شكل كتب إلكترونية. وفي ما بعد، التقط بعض الاصدقاء الخيط، ثم طوروا الفكرة. وولد في ادمغتهم خيال عن دار نشر الكترونية للكتاب العربي، فكانت"كتب ارابيا.كوم". ويوضح السيد هشام عوف، مدير عام تلك الدار"ان الفكرة بدت مناسبة في الدول العربية... تكفي نظرة سريعة على الانترنت لملاحظة وجود نقص واضح - أو بالأحرى انعدام وجود- الكتاب العربي على الشبكة العنكبوتية العالمية، باستثناء الكتب الإلكترونية الشديدة التخصص". ومن جهة أخرى، يشير عوف إلى مشكلة تواجه الراغبين في القراءة أو الباحثين عن كتب."أسكن في حي مصر الجديدة، وكنت إذا رغبت في شراء كتاب أتوجه إلى وسط القاهرة، هذا إضافة إلى مشكلات الشحن والجمارك في حال استيراد الكتب...نحاول تغيير هذا الأمر". ولأننا في عصر الانترنت الفائق السرعة، ولأنهم شباب في مقتبل الحياة، ومشحونون بطاقة ومعرفة مناسبة للعصر، استغرقت فترة الإعداد للمشروع عاماً ونصف العام. ويجرى راهناً الإعداد لانطلاقة الدار الالكترونية"كتب ارابيا.كوم"في أيار مايو الجاري. ويشير الى ان المشروع ينطلق من مصر، لكنه موجه إلى كل العرب. ويبدو على يقين من أن عبارة"كل العرب"،على رغم"ورديتها"، ستفتح أبواباً متفاوتة من المشكلات. صحيح أن الدول العربية تشترك في ثقافة ولغة وتاريخ واحدة، لكن كلاً منها لديه قدر متفاوت من الحرية المتاحة. ويؤدي الامر الى وجود أشكال متفاوتة من الرقابة. كذلك فإن الظروف السياسية تختلف من قطر إلى آخر. ويردد عوف ان"الحكومات العربية غارقة في مشكلاتها، وحال القراءة في تردٍ مستمر، والعلاقة بين الكاتب ودار النشر والقارئ في حاجة إلى إنعاش". ويخلص إلى أن الحل الأمثل يتمثل في تقديم الكتاب إلى القارئ العربي، في دوله المختلفة، بصورة إلكترونية. ما هو الكتاب الالكتروني؟ يُعرف البواردي، احد مؤسسي دار"كتب ارابيا.كوم"، الكتاب الإلكتروني ebook بأنه"أسلوب لقراءة الكتب والمجلات من خلال شاشة الكمبيوتر وأجهزة اليد المحمولة بطريقة سهلة ومريحة للقارئ، بحيث تحوّل دور النشر الإلكترونية أعمال الكتاب والأدباء من كتب ورقية إلى كتب إلكترونية يمكن قراءتها عبر برامج على غرار"أكروبات ريدر". ويعود عوف للكلام معدداً مزايا الكتاب الالكتروني. ويبيّن ان ثمنه بالنسبة للقارئ أقل من كلفة الكتاب الورقي. ويمكن الحصول عليه بلمسة واحدة في أي مكان في العالم فيه جهاز كومبيوتر متصل بشبكة الانترنت. ويضيف:"يتسم الكتاب الإلكتروني بسهولة التوزيع في كل أنحاء العالم بغض النظر عن الحواجز والتعقيدات التقليدية التي تواجه الكتاب الورقي". يعلم القيّمون على أمر الدار الجديدة أنه توجد كتب مصادرة في بلدان تباع في بلدان عربية أخرى، وأن كتباً مصادرة في مصر تباع في تونس، وأن كتباً صادرها الأزهر متاحة في دول أخرى وهكذا. وفي المقابل، يؤكدون أن"خطوطهم الحمر بعيدة من الخطوط المتعارف عليها". ويوضح احدهم الامر بقوله:"لن ندخل في صراع مذهبي كالذي يروج له حالياً في دول عربية عدة... ولن نكون طرفاً في إثراء فتنة طائفية أو التسويق للعنف، كما أننا لن نحول الموقع إلى موقع إباحي". لكن ماذا عن الكتّاب والأدباء وكيف يتم اختيارهم؟ تأتي الاجابة من احد مديري الدار:"بدأنا بعلاقاتنا الشخصية وفي وقت وجيز وجدنا الكتّاب يبادرون الى الاتصال بنا". وماذا تقدم الدار للكاتب؟ يبين هؤلاء الشباب ان الدار تتحمل كلفة تحويل الكتب الورقية إلى الكترونية، وكلفة العرض من دون أن يتحمل الكاتب شيئاً. وفي المقابل، تعطي الدار الكاتب نسبة من بيع كل كتاب، مع العلم أن الكاتب سيتمكن من متابعة عدد الكتب التي بيعت من خلال الموقع، وتصله إفادة شهرية عن مبيعات كتبه. وعلى رغم أن عدداً من الكتاب أصحاب الأسماء الكبيرة قد أبدى تخوفاً من تسرب النصوص الرديئة أو تلك التي تعتبر"دون المستوى"إلى الدار بحيث توضع جنباً إلى جنب مع أعمالهم، فإن عوف لا يرى داعياً لهذا التخوف:"سنتبع منهجاً ليبرالياً في طرح الكتب، كما أننا نشترط في معظم الحالات أن يكون للكاتب عمل واحد على الأقل تم نشره، وإن كنا نعلم أن ذلك ليس معياراً إذ ان الكثير من دور النشر تنشر أعمالاً رديئة". ولكنه يفتح الباب قليلاً فيقول:"لكننا سنستثني أولئك الموهوبين الذين لم يسبق لهم النشر لكن يملكون الموهبة". الملكية الفكرية ومشكلاتها بالنسبة الى حقوق الملكية الفكرية الخاصة بالكتاب الإلكتروني، يتوقع ان تنهج الدار المسلك الأوروبي والاميركي في هذا الشأن، بحيث تتم التفرقة القانونية بين حقوق الملكية الفكرية للنسخة المطبوعة من الكتاب أو المؤلف، وكل من النسخة الإلكترونية والطبعة المنسوخة على اسطوانات مدمجة، والنسخة المسموعة audio ، واعتبار تلك الأشكال مؤلفات مستقلة، ما لم ينص صراحة على شكل المؤلف في العقد الحصري. ويذكر أن عدداً من المؤلفين والكتاب العرب يرتبط بعقود حصرية لمؤلفاته - أو جزء منها - مع دور نشر تقليدية. وبمعنى آخر فإن الدار ترى فرقًا واضحًا في قوانين الملكية الفكرية للكتاب في طبعته الورقية ونسخته الالكترونية والمسموعة. وستزمع الدار وضع حماية على كتبها الالكترونية، بحيث لا يمكن نسخه على اسطوانات مدمجة أو إرساله عبر الانترنت أو طباعته. ومن المتوقع ان تنطلق دار"كتب ارابيا.كوم"بخمسة آلاف كتاب، على أن تزيد تلك السعة تدريجياً. ويحدو مؤسسيها الامل في أن تتحول الى إحدى أضخم المكتبات الالكترونية على الانترنت. ويشيرون الى أن الموقع الشبكي للدار سيوفر بيئة الكترونية تتواءم مع الانترنت ذات سعة عالية wide band width، وذلك لإتاحة الفرصة لأكبر عدد من المستخدمين لاستعمال الموقع في الوقت نفسه من دون اختناقات. ويبدو أن الدار اتخذت جميع احتياطاتها لتجنب حدوث مشكلات، فتعاقدت على موقعين مماثلين رديفين Mirror Sites كاحتياط للموقع الرئيس في حال تعطله، ولتوزيع ضغط المتعاملين على المواقع. ويشير البواردي الى أنه سيجرى العمل على أن يحوي موقع الدار إمكان تلقي ردود ومقالات نقدية من المستخدمين. ويعد باقامة مسابقات ثقافية وأدبية للمواهب الناشئة وطباعة الأعمال الفائزة. وبمعنى آخر، فمن المتوقع أن يكون موقع الدار تفاعلياً مع مستخدميه. وعن شكل الكتاب الالكتروني، يوضح محمد يسري مدير التسويق والعلاقات العامة، إن لكل كتاب شكلاً خاصاً به. وينبه الى ان الغلاف الورقي يختلف في فنونه وشكله عن غلاف الكتاب الالكتروني. فمع عملية المسح الضوئي للكتاب الورقي scanning، تتحول الصفحات الى ملف الكتروني متكامل. ثم تأتي مرحلة تصميم الأغلفة المتعددة للكتاب الالكتروني، مما يجعلها تختلف حكماً عن نظيرتها الورقية.