ربما يتعذر على البعض تبين الخط الفاصل بين العزلة المفيدة والانعزال الضار، وإذا كان النفسانيون يوصون بالمخالطة كونها وسيلة للمداواة من حالات الاكتئاب، فإن الزهاد العرفانيون آثروا الخلوة والبعد عن الناس لعتق الروح من أسر الإلف والعادة. وبمجرد انتباه العالم لجائحة كورونا تعاضدت التعليمات المشددة على العزلة وانفصال كل شخص عن محيطه إلا في الحدود الضيقة تفادياً لانتقال العدوى بين المخالطين، فرجحت كورونا كفة الوحدة التي هي خير من جليس قابل لنقل العدوى وأحكمت تاج العزلة على رؤوس الأصحاء. ويرى الباحث الاجتماعي عبدالرحمن مسفر أن تسبب عادة مباحة في ضرر تحيلها إلى محرمة ومنها المجالس الضارة بغيبة ونميمة التي يحرم الجلوس فيها إلا لمن له قدرة على الإنكار، ولفت إلى أن وسائل المباحات مباحة كما أن وسائل المحرمات محرمة، وأوضح أن من لوازم قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، التأكيد على ترك المخالطة كونها من مقاصد الشريعة في ظل استمرار جائحة كورونا وباعتبار العزلة محمودة لأنها وسيلة لحفظ النفس من الوباء والهلاك. ويؤكد الاستشاري النفسي الدكتور محمد الحامد أن ما يحدث حالياً من إجراءات احترازية وبقاء في البيوت وحظر للتجول له جانب إيجابي يتمثل في جمع شمل أفراد الأسرة الذي كان مغيباً منذ فترة طويلة بحكم كثرة الأعمال والأشغال والالتزامات المهنية، وثمن عودة الأسرة للالتقاء إثر طول تباعد فرضه إيقاع الحياة الحديثة المتسارع، ويرى أن الخلوة بالنفس وترتيب الأوراق مطلب، كون الأفراد والعائلات مطالبين بإعادة النظر في كثير من مناحي الحياة وصياغة أساليب حياة أكثر توازنا. ويذهب الاستشاري النفسي الدكتور سلطان مشرف إلى أن الوضع الطبيعي يفرض أن تكون للإنسان علاقات اجتماعية منتظمة، وعدد من الأصدقاء الجيدين، مشيراً إلى أن للعزلة آثارا إيجابية كون دراسات نفسية تؤثر العزلة المؤقتة لتحسين الإبداع وإنجاز الكتب والبحوث وممارسة التأمل، إلا أنه يؤكد نسبية الأمور، مستعيداً المثل الشعبي «لكل حزة لبوسها». فيما يؤكد طبيب الأسرة والمجتمع الدكتور محمد أشرف أن التحفظ على المخالطة وقتي، ومزمّن بفترة نشاط جائحة كورونا، موضحاً أن الأمور ستعود إلى أفضل حالاتها مع الأخذ في الاعتبار أننا بنعتزل بعضنا في حالة الإصابة بالزكام دون أدنى حرج، مضيفاً أن الوقاية خير من العلاج.