الكتاب: السماع عند صوفية الإسلام المؤلف: فاطمة فؤاد الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة - 1997 يدخل التصوف دائرة الفلسفة العربية من بابها الواسع الذي يضم إلى جانب فلاسفة المشرق من أمثال الفارابي وابن سينا وابي البركات البغدادي، وفلاسفة المغرب من أمثال ابن باجه وابن طفيل وابن رشد، أصحاب الفرق الكلامية مثل المعتزلة والأشاعرة والخوارج والشيعة، ثم الصوفية من أمثال الحلاج والسهروردي وابن عربي وابن الفارض، وهؤلاء أضافوا الى المصدر الديني الإسلامي، مصادر خارجية أجنبية كالمصدر اليوناني أو الفارسي أو الهندي. وفي هذا الكتاب تدرس المؤلفة الدكتورة فاطمة فؤاد واحدة من الرياضات الروحية التي مارسها الصوفية بغرض التطهر والنقاء، وهي رياضة السماع التي تعددت آراء الصوفيين حولها، خصوصاً في ما يتصل بسماع الغناء، فمنهم من أباحه، ومنهم من عارضه، ومنهم من أباحه مع الكراهة. وبعيداً عن مسألة الغناء، اعتبر الصوفية ان السماع هو العمود الأساسي للإيمان بالله ورسوله. وهو شرط أساسي لا يمكن إغفاله، ولكن أي نوع من السماع؟ يقول الصوفية: إن السماع هو الذي لا يثير الشهوات ولا يحرك خبائث النفس ووسواسها. وأدرك الزهاد الأوائل أهمية الأساس العقلي للسماع، وقالوا إن أي سماع لا يقترن بالتعقل والإلتزام بأوامر الشرع لا جدوى منه، وهذا أعلى درجات السماع الذي يقول فيه الحسن البصري: "العقل متبوع فيما لا يمنع منه الشرع، والشرع مسموع فيما لا يمنع منه العقل، لأن الشرع لا يرد ما يمنع منه العقل، والعقل لا يتبع فيما يمنع منه الشرع، فلذلك توجه التكليف الى من كمل عقله". ويذهب الغزالي إلى أنه كما أن حاسة الشم تستلذ بالروائح الجميلة، وحاسة البصر تستلذ بالنظر الى الخضرة، فإن السماع بالأصوات الجميلة والنغم الطيب مباح شرعاً. ويؤكد الغزالي أن من لم يتأثر بما يسمع فهو ناقص العقل بعيد عن الشفافية والروحانية. ورأى ابن حزم أن سماع الغناء غير محرم شرعاً ما دام يدعو إلى العمل والجد ويلتزم فيه صاحبه بآداب الشريعة. ولم تخرج غالبية آراء صوفية الإسلام من هذه المعاني التي ربطت السماع بالالتزام بآداب الشريعة. وتشدد بعضهم فاعتبر أن السماع الوحيد المباح هو سماع آيات القرآن الكريم، وتسامح آخرون فاعتبروا أن سماع الأغاني والأشعار مباح ما دام لم يخرج أيضاً عن حدود تعاليم الشريعة. والسماع عند الصوفية عموماً دعوة إلى الجد وتزكية النفس وصفائها من الهزل واللهو، والسماع الصافي- بحسب قولهم - يورد في نفس صاحبه وجداً. فإذا كان صاحب هذا الوجد قوي الحال، فإنه يؤثر فيه من دون أن يتحرك، بل يظل ثابتاً على حاله. أما المريد الضعيف فيؤثر فيه الوجد في صورة غشية، أو تصفيق أو رقص أو خروج عن حد الإعتدال، ولذا نصح بعض الصوفية بعدم دخول المريد المبتدئ جلسات الاستماع. ويرى الصوفية أن العزلة في السماع لها أهمية كبيرة، فهي تساعد المريد في التخلص من الآفات والمعاصي التي يتعرض لها من خلال المخالطة مثل الغيبة والنميمة والتفاخر بالنفس أمام الآخرين. أما إذا جرى السماع في صحبة، فلا بد أن تتوافر فيه ثلاثة شروط: أولها الوقت المناسب لاجتماع أهل الصحبة، ثم المكان المناسب ويفضل أن يكون في زاوية حتى يسهل على المريدين الاجتماع فيها، وأخيرا أن يكون أهل الصحبة من الأخيار والصالحين حتى يكونوا عوناً للمريد على تحقيق مراده. ويعتبر كبار الصوفية ان شدة الانفعالات وكثرة الحركات اثناء السمع هي من ضعف الحال. رأى ابن عربي أن مثل هذه الاضطرابات العضوية مردها الى إغراء الشيطان ووساوسه، لا إلى إلهام ملكي أو إلهي. واعتبر العز بن عبدالسلام أن الرقص بدعة ونقص في العقل ولا يخطر إلا لمن في قلبه هوى خبيث. في ما اعتبر ابن الفارض أن الرقص في السماع ليس بدعة أو نقصاً إنما هو تطهير للروح من شهوات النفس. لكننا سنلاحظ أن إماماً مجدداً مثل الإمام محمد عبده اعتبر أن ما يقوم به الصوفية من زهد في الدنيا وطلب للفقر والسماع والرقص فيه، ما هو إلا تلبس من تلبسات الشياطين. من ناحية ثانية ربط الصوفية بين رياضة السماع والمقامات والأحوال، فالعبد لا يتحقق له مقام التوبة والندم إلا إذا سمع ما يحثه على ذلك. فالسماع يخلص الروح من كدرات النفس، والروح لا تقوى إلا بضعف النفس، ونهاية السماع عند الصوفية الغناء عن سائر الاشياء وقت السماع والبقاء بالصفات الربانية. أما الغناء، فأباحه الصوفية في المناسبات والأفراح والأعياد، وفي العمل للترفيه من مشقته، وفي المعارك لرفع حماسة الجنود، فضلاً عن الانشاد الديني في الحجيج. ويمكن القول إجمالاً أن السماع الصحيح على النحو الذي ذكره الصوفية يحقق قدراً من التوازن النفسي للمريد، ويمكنه من تصويب بعض مثالب شخصيته بوضع يقبله المجتمع والدين. كما أن السماع الحسن - وفق تصورهم - يعمل على دعم التماسك الاجتماعي، فهو يدعو الفرد إلى تحمل سماع الأذى والصبر على البلاء والبعد عن سماع المعاصي والندم والتوبة من الذنوب.