في الشارع العربي هناك شبه قناعة – مزورة - أن تركيا تقف مع قضية فلسطين، بل وتتكبد الخسائر السياسية والاقتصادية والعسكرية من أجلها، تغذي هذه الدعاية المزيفة الآلة الإعلامية الضخمة التي يمتلكها الأتراك، وبشكل غير مباشر مكينة الدوحة ودعم من الإسلامويين في الإقليم.. فهل هذا صحيح! دعونا نتعرف أكثر على هذه التضحيات التركية -إن وجدت- وكيف تعمل على وجهين متناقضين وبخطابين مختلفين تماما. الأول خطاب شعبوي رومانسي يقدم «للعربان» وأبناء الأمصار ما يحبون أن يسمعوه مع قليل من الأفعال غير الضارة، مثل إرسال قارب صغير إلى شواطئ غزة لا تزيد قيمة حمولته من الفول والبازلاء على 10 آلاف دولار، بالطبع القارب لن يزيل إسرائيل ولن يرميها في البحر، بل يحقق انتصارا إعلاميا لأردوغان، ويضع ضغطا حقوقيا على إسرائيل، ويعود بالنفع على اقتصاد تركيا بمزيد من «الشيكلات»، على سبيل المثال زاد حجم التبادل التجاري بين أنقرة وتل أبيب منذ حادثة قارب مرمرة العام 2010 من 2.6 مليار دولار إلى 6 مليارات دولار العام الفائت 2019، حسب صحيفة معاريف، وفي المقابل خطاب برغماتي مصلحي يقدم تركيا على غيرها، ومنفتح اقتصاديا وسياسيا تجاه إسرائيل والغرب. كان 2019 هو نقطة استعادة ما فات كما يقال بين عرقيتين – التركية والإسرائيلية - تريان نفسيهما غريبتين في محيط عربي، فقد ازدهرت العلاقات الاقتصادية إلى أقصى حد واستعاد الأتراك زمام المبادرة، وأصبحت تركيا تستقبل نصف مليون سائح إسرائيلي سنويا، وأكثر من 4300 رحلة طيران في العام الواحد، إضافة إلى التوسع في الصناعات ونقل التكنولوجيا المعقدة ومنها العسكرية، ويعد خطا «إسطنبول تل أبيب» البحري والجوي من أكثر الخطوط ازدحاما، تؤكد صحيفة «ذا ماركر» وهي صحيفة اقتصادية إسرائيلية، أن الإسرائيليين يفضلون الاستمتاع بشواطئ أنطاليا ومنتجعاتها الصيفية، كما تحولت إسطنبول لوجهة جديدة للإسرائيليين للتسوق الآمن والمتعة الرخيصة بدلا من أوروبا. لم تترد العلاقات بين أنقرة وتل أبيب بعد حادثة دافوس المفتعلة في 2009 كما يعتقد الكثير بل حافظت على تماسكها وازداد رتمها سنة عن سنة، على سبيل المثال بقي عدد السياح يحقق أرقاما قياسية مرتفعة عن «ثلاثمائة ألف» سائح إسرائيلي في السنة إلى أن كسر حاجز النصف مليون العام الماضي. كشفت صحيفة «ديلي نيوز» في تقرير لها عن العلاقات بين تركيا وإسرائيل: أن الأدميرال «سيهات يايشي» رئيس البحرية التركية ومهندس سياسة أنقرة تجاه ليبيا التي قضت بعقد صفقة تقتسم فيها الحدود البحرية مع طرابلس، اقترح على أردوغان أن تقوم تركيا بتوسيع الصفقة ذاتها التي أبرمتها مع سلطة السراج في ليبيا إلى إسرائيل، بحيث تسفر عن مثلث اقتصادي عسكري يضم إسرائيل وتركيا وليبيا يسيطر على حقول الغاز وخطوط الملاحة في البحر الأبيض المتوسط. الصفقة التي تجري خلف الكواليس هي ثمرة علاقات شخصية متنامية بين أردوغان ونتنياهو، حيث يمثل الاثنان شخصيتين مصلحيتين متناقضتين، نتنياهو يفهم أنه للإبقاء على زخم الخط الأردوغاني في المنطقة لا بد من السماح له بمساحة للحركة يستطيع فيها «رجب» إطلاق بعض التصريحات الخشنة تجاه إسرائيل لكنها لا تؤثر على جوهر العلاقة ولا تؤزمها، بل إنها «أي العلاقة» تعيش أفضل أوقاتها ولم تكن أحسن حالا منها اليوم منذ بدأت رسميا العام 1949. * كاتب سعودي massaaed@