(كلهم يعني كلهم... نصرالله واحد منهم)، هذا كان الشعار الذي صدحت به حناجر المتظاهرين في وسط العاصمة اللبنانيةبيروت، وذلك يعني سقوط حاجز الخوف وسقوط الكثير من التابوهات حيث كان زعيم حزب الله الإرهابي حسن نصرالله أحد التابوهات التي كرسها الحزب طوال السنوات الماضية. إلا أن هذا ليس التجلي الأبرز للانتفاضة اللبنانية الحالية، لأن أهم ما في هذه الهبة هو تجاوز المتظاهرين حاجز الطائفية والمذهبية والانقسامات المناطقية والسياسية، وهذا يكاد يكون معجزة حقيقية خصوصاً إذا ما علمنا أن لبنان قائم على أساس التقاسم الطائفي ونظامه السياسي والإداري كرس هذه الطائفية سواء بنصوص قانونية أو بأعراف سياسية تبدو وكأنها مواد ما فوق دستورية. أما الإنجاز الآخر فهو الخروج من عباءة الزعامات الطائفية، فهذه الأخيرة لا تمثل رؤى سياسية قد يوافق عليها المواطن اللبناني أو يرفضها، وإنما لها حضور سياسي واجتماعي وأحياناً ديني والأهم اقتصادي باعتبار الطائفة وزعيمها هو الممر الإجباري لنيل الحقوق في لبنان الطوائف. لقد وصلت الأمور إلى منتهاها عندما أصبح لبنان رهينة الاحتلال الإيراني وأصبح يخضع إلى توجهات إيران في الداخل والخارج وأصبحت الطوائف تخضع لحزب الله مع هامش من الحركة لكل طائفة لا لتعيش هي وأبناؤها بحرية وكرامة في بلادها ولكن حتى تستطيع أن تكون غطاء للمليشيات الإرهابية، ولكن في حقيقة الأمر ما لم يستطع الحزب تحقيقه من سلب لحرية المواطن وسحقه تكفلت مافيات الفساد والجريمة والمحسوبية والرشوة بتحقيقه. الفساد والمحسوبية والطائفية ليست أمراً طارئاً في لبنان، لأن طبيعة النظام السياسي القائم على أساس المحاصصة الطائفية تجعل رموز الفساد محميين من قبل طوائفهم، أضف إلى ذلك أن النظام السياسي يجعل البلاد في حالة توتر وأزمة دائمة وما مراحل السلام إلا مراحل لشحن الهمم لصدام وصراع جديد. ومع ذلك فالوصفة السحرية معروفة لدى جميع اللبنانيين والمهتمين بالشأن اللبناني وهي حالة التوازن بين الطوائف وأي اختلال ستكون نتائجه كارثية. وهذا هو الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية عبر اتفاق الطائف حيث تم التوافق على توازن معين، صحيح أن هذا التوازن كان تحت هيمنة النظام السوري ولكنه كان فعالاً بإيقاف الحرب وما زال هو الوحيد القادر على الحفاظ على استقرار هش. منذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوبلبنان بدأ حزب الله، أداة إيران في لبنان والشرق الأوسط، يدير بندقيته إلى الداخل اللبناني لكي تتحول إلى أداة ضغط، لكنه وجد سياسياً محنكاً يحاول أن يعيد الهيبة لمؤسسات الدولة اللبنانية وهو الشهيد رفيق الحريري فما كان منه إلا أن قام هو وحليفه السوري باغتيال الحريري الأب لكي يتجاوز حجر عثرة وخصوصاً أن الحريري كان يطالب بخروج القوات السورية التي كانت تؤمن غطاء سياسياً وعسكرياً وأمنياً، عند ذلك بدأ حضور حزب الله يصبح أكثر فجاجة في الحياة السياسية وبدأت ملامح دولة حزب الله المستقلة داخل الدولة اللبنانية تتجلى بشكل أكثر وضوحاً. نجحت ثورة الأرز بإخراج قوات النظام السوري، ولكنها فشلت في تكريس الدولة اللبنانية، وعندما حاولت فعل ذلك عبر تفكيك شكل من أشكال استقلالية حزب الله وهو منظومة الاتصالات كشر حزب الله عن أنيابه وقام بغزوة بيروت في العام 2008، حيث قامت المليشيات الإرهابية بالسيطرة على بيروت وفرض تسوية على بقية الأطراف بمساعدة إمارة قطر عبر اتفاق الدوحة الذي أوجد اتفاقاً كرس حزب الله لاعباً أساسياً وربما الأهم في إطار المعادلة السياسية اللبنانية. ومنذ ذلك الحين انقلبت الآية، وتحولت دولة لبنان داخل دولة حزب الله، فقد انفرد الحزب باتخاذ قرار الحرب والسلم وأصبح الحزب أداة إقليمية وأقام نظاماً انتخابياً يخدمه ويخدم من يتحالف معه فتم إفراغ الحياة السياسية اللبنانية من مضمونها. لم يستطع بقية الأفرقاء السياسيين اللبنانيين أن يصلوا إلى مساحة مشتركة مع الحزب الإرهابي وإنما اضطروا إلى الرضوخ له، وهذا ما حدث بعد فترة فراغ رئاسي طويلة عندما وافق سعد الحريري على معادلة صاغها حزب الله، فأصبح ميشال عون رئيساً والحريري رئيساً للوزراء وحسن نصرالله الحاكم الفعلي. كانت النتيجة الفعلية هي التبعية المباشرة لإيران وتحول وزير الخارجية اللبناني إلى وزير خارجية لإيران عندما رفض مثلاً لا حصراً أن يدين إيران بسبب الهجمات الإرهابية على المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية، كما تم إبعاد لبنان عن عمقه العربي ليصبح تابعاً لطهران. أما على صعيد الداخل فقد تم ضرب القطاع المالي بتحويل المصارف والبنوك إلى أدوات لتبييض الأموال الإيرانية والتابعة لحزب الله، تراجعت السياحة بعد أن أصبح البلد غير آمن بسبب المربعات الأمنية التابعة لحزب الله وسيطرة الحزب على المنافذ البرية والجوية والبحرية، ضعفت التجارة بعد أن اقتصرت على سورياوإيران فعندما حدثت العقوبات الأمريكية على البلدين ضعفت التجارة إلى أقصى الحدود، وأخيراً تضخم غول الفساد وكاد يفتك بالبلاد برمتها. هكذا أدرك الشعب اللبناني بمختلف طوائفه أن تلك التسوية البائسة تكاد تخنقه فخرج يسقطها ولن تنفع معه أي وعود إصلاحية زائفة. السؤال الآن ل«سعد الحريري»: لماذا تصر على تسوية أسقطها الشارع ضارباً عرض الحائط إرادة حاضنتك السياسية ومصالحها وتاريخ والدك وإرثه السياسي؟ * باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق الأوسط ramialkhalife@