كشف الناقد الدكتور عالي القرشي ل«عكاظ» وثيقةً عمرها أكثر من 30 عاماً، اضطر أن يكتبها ويوقع عليها للمناورة مع التيار المتشدد في جامعة أم القرى، والتحايل عليه بتقمص دور الباحث التقليدي ليوافقوا على منحه درجة الدكتوراه التي سحبت من زميله ورفيق دربه الناقد الدكتور سعيد السريحي، وعثر القرشي بين أوراق مكتبته على صورة احتفظ بها من الوثيقة التي يتعهد فيها ببراءته من الحداثة، إذ ألزمته عمادة كلية اللغة العربية في جامعة أم القرى بكتابتها والتوقيع عليها عام 1410؛ لكي يتم منحه درجة الدكتوراه. وأوضح القرشي أنه كان مغلوباً على أمره، وأمام أمرين لا مفر منهما؛ إما التبرؤ من الحداثة، وإما الحرمان من الدرجة العلمية، وأكد أنه وقع أمام العميد على التعهد، وتضمنت الوثيقة التي نرفق صورة منها أنه لا يتفق مع الحداثيين في المفاهيم التي تتمرد على القيم، ورحب بتوجه الغيورين ممن ألفوا الكتب لمناهضة الحداثة، والتزم القرشي في الوثيقة بأن يذب عن العقيدة خادماً لدين الله ويبذل الجهد من موقعه مبتدئاً بنفسه، ويطبق ذلك على جميع شؤونه ومناشطه، وألاّ يقبل إلا ما يتفق مع القرآن وسنة النبي عليه السلام، ويرفض كل ما يناهض ذلك، وأن يسأل الله أن يثبته على النهج الواضح الذي لا يحيد عنه إلا هالك. وأضاف: وضمنوا الوثيقة فحص نواياي «وأني إنما أقصد بنشاطي العلمي مثوبة الله، وتحقيق المسؤولية واطلاع المسؤولين عن الشؤون العلمية على مدى قدرته عل النهوض بدوره» واضطر القرشي أن يمرر عدداً من الشواهد التي تؤكد تقليديته، منها أطروحته للماجستير التي كانت في البلاغة العربية، واختياره موضوع تراثي للدكتوراه. وقال: «طلب العميد مني أن أناهض كل التيارات والمذاهب والأفكار من حداثة وغيرها، وأن التزم أمام المسؤولين بالرجوع عن ما يصدر عني مخالفاً للتوجه، ولهم الحق في اتخاذ ما يرونه حيال أي ملاحظة عليه». وأكد القرشي أنه نجح في إقناع تيار كان مسيطراً على الجامعة بأنه لا يمت للحداثة بصلة، لافتاً إلى أنه قَبل المهادنة لينال الدرجة العلمية، إلا أنه أخلف ظنهم بحكم إيمانه العميق بأهمية الحداثة، ودورها في تطور فكره وانفتاحه على المعارف والفنون والآداب، مشيراً إلى انحيازه التام للتنوير سواء في كلية المعلمين بالطائف أو في كلية الآداب التي درّس بها الأدب والنقد الحديث في جامعة الطائف وترقى فيها إلى درجة الأستاذية، وأشرف على طلاب وناقش رسائل وترأس لفترة مجلة جامعة الطائف. وأكد القرشي أنه تعامل مع كل طلابه وزملائه بما تمليه المعلومة والنظريات العلمية دون تحزب أو تأثير أيديولوجي، وتساءل أين ذهب أولئك الأحاديون المسيطرون حينها، وهل توقعوا أن يستمر الحال على ما هو عليه؟ وأضاف: «من المفارقات أنني دخلتُ جامعة أم القرى مناقشاً بقناعاتي وبصفتي الحداثية وبشخصيتي الأكاديمية دون أن يهمس أحد منهم ببنت شفة»، ما عده انتصاراً للحق والخير والجمال والإبداع، وربط القرشي بين ذلك الزمن وتعسفاته وبين التحولات التي تشهدها المملكة والتي انتصرت لقيم الحداثة كونها الأكثر انسجاماً مع طبيعة النفس البشرية. يذكر أن الناقد الراحل الدكتور لطفي عبدالبديع كان له دور كبير في حركة التنوير في عدد من الجامعات السعودية، فضلاً عن تأثيره في المشهد الثقافي السعودي من خلال مشاركاته في الأندية الأدبية والصحف. ومن أبرز رموز مرحلة الحداثة الذين درسهم في جامعة أم القرى وتأثروا به كل من الدكتور سعيد السريحي، عالي القرشي، جريدي المنصوري، عثمان الصيني، ومحمد الطويرقي وغيرهم.