الهلال يفقد خدمات مالكوم امام الخليج    الأهلي ينتصر على الفيحاء بهدف رياض محرز    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    القبض على 4 مقيمين في جدة لترويجهم «الشبو»    المملكة توزع 530 قسيمة شرائية في عدة مناطق بجمهورية لبنان    انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكد أن شخصية المثقف تجمع أطيافاً من قلق ونزق وتمرد وطموح ... واعتبر ما ينشده الخطاب الوعظي أكبر من قضية نص إبداعي . القرشي : الشارع والمثقف محاصران ب "أمية" يستحيل أن يتحقق معها منجز سلوكي حضاري
نشر في الحياة يوم 18 - 11 - 2008

يرى الناقد الدكتور عالي القرشي إنه يوجد وعي حداثي ونصوص حداثية، إلا أن الموقف المضاد لحركة الحداثة وما يصحبها من نص نقدي لم يعد بذات الحدة سواء في جانب الاستقبال أو جانب الرفض، ويضيف:"كنت في التسعينات أسمع أسئلة عن خفوت الحداثة ونصوصها، وكنت أجيب بأن النص الحداثي نضج ونما واستوى على سوقه ولم يخفت، وما خفت هو وهج الاستقبال والتلقي ولا أدل على ذلك من النصوص التي أنجزت والأسماء المنتمية التي ظهرت ويصعب اليوم حصرها، ما يؤكد أن الحداثة فعلت فعلاً مؤثراً وأثمرت منذ الثمانينات ما غير نمط المفاهيم والأفكار.
ويؤكد أن الحداثة نفسها مرحلة تيه، لأن الحداثة هي البحث عن السؤال والممكن والمضمر وغير المستقر واللايقين وحركتها في هذا الإطار، في مقابل شعور المبدع بالهزيمة والمرارة والحسرة، لافتاً في حواره مع"الحياة"إلى أن الخطاب الوعظي نجح في دق المسمار، ويبدو أن ما كان ينشده أكبر من قضية نص إبداعي أو اعتراض على جملة هنا أو صورة هناك، إذ كان ينشد حلماً أكبر وتغيراً أوسع بدليل أنه عندما كنت تقرأ خطابهم تجد أن أسماء كل المؤسسات الثقافية والأدبية و التربوية بل معظم المؤسسات الرسمية... فإلى التفاصيل:
في أي خانة تضع منهجية التحولات والتغيير الصادرة عن وزارة الثقافة؟
- مسألة توقيت التغيير لا يمكنني أن أحكم على إيجابيتها من عدمها في حوارنا هذا، فالقضية تحتاج إلى تأمل واستقصاء ودراسة إلا أن ما حدث وافق تطلع المجتمع الثقافي وإن كانت هذه التغيرات بعد أن حدثت لم ترض الطموح الثقافي وهذا أمر يحسب للحراك الثقافي ونضعه في خانة الإيجابية ومتى أرضت التغييرات الطموح الثقافي فإنه سيظل أقل وأدنى مما قدم له، وبما أن الحراك لا يزال يرى أن التغيير لم يستجب لمطالبه، فهذا يبشر بحراك متطلع لتغييرات لاحقة ومتتابعة ومرحلية وأكثر مواكبة وملاءمة.
ماذا عن مدى انسجام توليفات الأندية؟
- ربما وجدها الفاعل في القرار ومن تولى اختيار التوليفة ملائمة ولو في تلك الفترة المحددة لتشكيل المجالس مجدداً، إلا أن الإشكال يكمن في اختلاف مناطق الأندية عن بعضها حساً ومعنى، فيما كانت رؤية الوزارة وضع خطة موحدة دون اعتبار الفوارق بين موقع وآخر، إذ من الصعوبة بمكان أن تتحقق المرجعية الموحدة وكان بإمكان الوزارة أن تجعل لكل منطقة آلية عمل مختلفة عن المناطق الأخرى، فالاختيار الأول أخذ في الحسبان تباينات واعتبارات وتوازنات عدة، إلا أنها عند مباشرة العمل لم تكن بالقدرة ذاتها التي تَصوَّرها من قام على الاختيار.
ما تعليقك على مقولة:"المثقفون ينجحون أفراداً ويفشلون جماعة أو فريق عمل"؟
- لا أستطيع أن أعمم وأجور في الحكم وأصف المثقفين بالعجز أو الفشل، إلا أنني أوافق على أن شخصية المثقف تجمع أطيافاً من قلق ونزق وتمرد وطموح، وهذا لا يعني بالضرورة أنها شخصية لا تصلح لقيادة مشروع أو عمل ثقافي، وليس كل من دخل مجالس الأندية الأدبية يحمل صفة المثقف.
ألا ترى أن غزارة إنتاجنا المعرفي والثقافي لا تنعكس حضارياً على سلوكنا؟
- هذا يدعونا للبحث في ما يسمى المسؤولية الثقافية، الملقاة على عاتق من يوصف بالمثقف أو يطلق عليه مصطلح"ثقافي"إلا أنه قبل إلقاء التبعة عليه لا بد من الرجوع للخطابات والنوازع التي تقوم حوله وتصادره أحياناً، فالمثقف المعاصر محاصر بنمطية الخطابات الموجهة إليه، وطريقة الحياة وأساليب المعيشة والخروج من النمطية ليس مسؤولية الثقافة وحدها، فالخطى الراسمة مسار المخرج من الأزمات تشترك مع الثقافة وطريقة التربية ووسائل التوجيه وأساليب المعالجة الاجتماعية ومنهجية التنمية.
فكل هذه المعطيات متى وعت دورها الثقافي ومسؤوليتها، فمن الممكن أن ترتقي بالوعي والسلوك، وتسهم في التحضر، أما التعويل على النص الإبداعي والنقدي بما يتضمنانه من وعي وما يقدمان من رؤية في تحويل الشارع إلى متحضر وراق فهذا إجحاف، إذ ان الشارع والمثقف محاطان ومحاصران بقولبة ونمطية وأمية ثقافية يستحيل أن يتحقق معها منجز سلوكي حضاري اعتماداً على الإبداع.
المثقف والبشائر
ما مدى التواؤم بين ما يبشر به المثقف وما يمارسه؟
- هنا علاقة جدلية قوامها التناقض والاضطراب وإرادة انصهار المثقف في بوتقة اجتماعية أو مجتمعية، وأعود لأؤكد أن المسؤولية ليست محصورة في الثقافة للخروج من النمطية إلا متى آلت الثقافة إلى وعي أولاً لدى جهات التخطيط وبناء الاستراتيجيات ونحن ننفق الآن أموالاً طائلة ونكلف كوادر بشرية بالعمل ونقدم آليات بحث في هذه القضية وتُنتَج بحوث ودراسات، يمكن أن تؤول لخدمة المجتمع والوعي متى ما أحسنا صياغتها وأخذناها في الاعتبار عند صياغة الأهداف والاستراتيجيات، ومن ثم تفعيلها في الواقع عند التنفيذ في المدارس والتعليم والجامعة والرسائل الإعلامية.
عرف عنك الالتزام فهل يتعارض موقفك السلوكي المتحفظ مع طرحك الحداثي والمنفتح؟
- لا أريد الحديث عن الذات ووصف النفس بالالتزام وتزكيتها فما يطرحه إنسان من رؤى منفتحة ومن رغبة في التجدد والتجديد وفتح أفق النصوص لا تتعارض في اعتقادي مع الالتزام بمبادئ وأخلاق يتمسك المثقف بها ويعيش في إطارها، فالحداثة ليست ضد الأخلاق الحسنة بل هي مدعاة للخلق الكريم وإلزام النفس بمبادئ ومثل تتفق عليها الفطر والأديان.
ما أهمية التراث للمبدع الحديث أو الحداثي؟
- يبدو لي أن الإبداع الإنساني في عمومه بقدر ما يمنح من ماضيه الذي يكون حضوراً له في الآن، بقدر ما يكسب حضوره طاقة وقوة بقدر ما ينفتح به على العالم ويمنحه قدرة تأويلية لتفسير العلاقة بين العوالم والأشياء بقدر ما يسبغه من شعرية على ما حوله ويتراءى في بيئته بقدر كل ذلك ما يحققه لنصه لذلك المبدع الثري هو نتاج تراث ومعرفة ووعي بواقعه وماضيه بعيداً عن الانكفاء على لحظة في الذات أو قطيعة مع تراثه وتراث غيره من الأمم فالإنسان كائن وجودي لا يرتبط بلحظة زمنية محددة وإنما هو ممتد في أفق يتداخل فيه ماضيه بمستقبله.
الحداثة والسمعة السيئة
لماذا إذاً ساءت سمعة الحداثة في مجتمعنا؟
- يعرف معظم السعوديين الهجمة الشرسة من الخطاب الديني على الحداثة وتعاطف المد الإسلامي معها اعتماداً على نصوص منفصلة عن سياقاتها ونقولات حداثية مبتسرة وأخذ التيار يروج ضدها وكانت الساحة والمشهد الثقافي مهيئان لاستقبال هذا الهجوم ويسترضيه أحياناً ويرفض ويدحر ما عداه وما يمارس وما أنجز الآن على مستوى الوعي الحداثي أكبر من المنجز الذي ظهر في فترة المصادرة.
فحداثة تلك المرحلة محصورة في المنجز النصي ولم يقرن بمستوى وعي حداثي، بينما نجد الآن وعي ومنطلقات وممارسات حداثية واستقبالاً واحتفاء بها ولها وتفاعلاً معها ينبئ بتجاوز الضبابية واكتشاف الحقيقة وتبدل حال الجفاء والانغلاق والنكران بمرحلة تصالح وانفتاح وقبول، والشواهد حيّة وحاضرة متمثلة في ما بين أيدينا من أعمال شعرية وسردية ومسرحية وسينمائية وأطروحات فكرية وحوارية ونقاشات تتراكم وتتجاوز ما كانت تطرحه الحداثة في تلك المرحلة المؤطرة بنصوصها الإبداعية.
هل يمكن القبول بمقولة"حضر الحداثيون ولم تحضر الحداثة"؟
- ممكن أن نقول إنه يوجد وعي حداثي ونصوص حداثية، إلا أن الموقف المضاد لحركة الحداثة وما يصحبها من نص نقدي لم يعد بذات الحدة سواء في جانب الاستقبال أو جانب الرفض، وكنت في التسعينات أسمع أسئلة عن خفوت الحداثة ونصوصها، وكنت أجيب بأن النص الحداثي نضج ونما واستوى على سوقه ولم يخفت، وما خفت هو وهج الاستقبال والتلقي ولا أدل على ذلك من النصوص التي أنجزت والأسماء المنتمية التي ظهرت ويصعب اليوم حصرها، ما يؤكد أن الحداثة فعلت فعلاً مؤثراً وأثمرت منذ الثمانينات ما غير نمط المفاهيم والأفكار.
كأنك تقول بأنكم كنتم قرابين لأجيال لاحقة؟
- من الممكن القبول بمثل هذا القول، وشاهدي التحولات التي نعيشها ونعايشها اليوم على مستوى النصوص، فالمبدعون متحركون بحرية أكبر وقدرة على النشر، ومن ذلك نصوص هدى الدغفق ولطيفة قارئ وطلق المرزوقي ومحمد النجيمي، وأسماء أخرى كثيرة خلقت أفقاً مختلفاً وطريقة مختلفة في الطرح، ومع الثورة الروائية ازداد الوهج وتضاعفت الثقة في إنتاج أدب مختلف ونشره بصورة مختلفة.
خذلان الحداثة
من خذل الحداثيين؟
- الاحتمالات جميعها ممكنة، فالوهج الحداثي لم يمتد في جانب الاستقبال وربما لعبت المتغيرات دوراً في إسكات الخطابات في مجملها ال"مع"وال"ضد"، ولم نكن بمعزل عن تمزق الإنسان العربي بين تيارات مختلفة وانتكاس الذات العربية عن أملها وحلمها، وأصبحت تقتتل في ما بينها وتتخذ أداة لتدمير وجودها، ابتداء من حرب التسعينات وما تبعها من معارك وحروب في ساحة العرب خلقت معطيات جديدة يحتاج في تعامله معها إلى حشد الرأي أو أنه ينعزل ويتقوقع على ذاته.
وكل هذه المتغيرات والمعطيات أخفتت الوهج المستقبل للنص الجديد والرؤية المتأملة، ولذلك يظل غبارها مستمراً إلى زمن طويل ما لم نعي وجودنا ونعي ما نريد.
هل خذل الحداثيون أنفسهم وبعضهم؟
- الحداثيون وجدوا اللامكان، وعلى رغم أنهم كانوا يعملون على نصوصهم ويشتغلون على إبداعهم ويبدعون رؤاهم، إلا أن حجم ومساحة المتغيرات وبؤس الواقع وبرودة استقبال واحتفاء المتلقي أكبر بكثير من نصه وعالمه ورؤيته، ولذلك يلجأ إلى عالم تخيلي رمزي، وأضرب لك مثلاً بالشاعر والروائي علي الدميني الذي عاش وعايش حرب الخليج الأولى والثانية وتداعيات مشكلات مواقف متعددة، ما دفعه للخروج إلى منتجه و عالمه الخاص"الغيمة الرصاصية"التي هي خلق عالم مختلف وآخر نصفه بالمتخيل هرباً من الصراع وتداعياته، وما يتولد من أسئلة عن قيمة المنتج نرد عليها بأنها"القيمة الإبداعية الجمالية".
هل دخل أو أدخل رواد الحداثة في السعودية مرحلة تيه امتدت عقدين من الزمن؟
- يبدو لي أن الحداثة نفسها هي أيضاً مرحلة تيه، لأن الحداثة هي البحث عن السؤال والممكن والمضمر وغير المستقر واللايقين وحركتها في هذا الإطار، في مقابل شعور المبدع بالهزيمة والمرارة والحسرة، والحاجة إلى قدرات تعينه على البحث عن أمل لا حدود له ولا جاهزية وإنما هو سؤال ملح ومغر بالبحث عنه.
الخطاب الوعظي والمثقفين
ما أثر الخطاب الوعظي في حركة الحداثة، وهل دق مسمار جحا في بيتها؟
- ربما نجح الخطاب الوعظي في دق المسمار، ويبدو أن ما كان ينشده أكبر من قضية نص إبداعي أو اعتراض على جملة هنا أو صورة هناك، إذ كان ينشد حلماً أكبر وتغيراً أوسع بدليل أنه عندما كنت تقرأ خطابهم تجد أن أسماء كل المؤسسات الثقافية والأدبية و التربوية بل معظم المؤسسات الرسمية إن لم تكن جميعها مستحضرة في هذا الخطاب ومستهدفة بالنقد والتحريض عليها.
ما الأثر الذي يتركه العمل النقدي في المنتج الأدبي والمتلقي، هل من إضافة أم أنه مجرد تسويق يرفع معدل المبيعات؟
- العلاقة بين النقد والنص علاقة تفاعلية، جدلية ومن خلال ملتقى النقد في أدبي الرياض قدمت ورقة بعنوان: تحولات النقد وحركية النص حاولت تلمس هذه العلاقة وربطها بالمشهد المحلي، كونه نمت حركة نصية بحكم التفاعل مع منجز عربي في النص وتفاعل مع المتغيرات بالتوازي مع تحول نقدي على صعيد المفهوم والنظرة للنص وكيف تكون.
هذا التحول تبلور من ممارسات نقدية نظرية تفاعلت مع النقد القديم ومع المنجزين النقديين العربي والغربي وقدمت رؤية جديدة مولدة تقاطعاً بين النص المتجدد والطامح لرؤية جديدة وبين النقد المتكئ على أدوات جديدة تتأمل النص بمنظار جديد ومن هذا التفاعل حقق الاتجاهان النص، النقد نجاحهما وحازا خدمة تكاملية ولا أدل على هذا من التعانق بينهما في مرحلة الثمانينات الميلادية.
ماذا عن النقد التسويقي؟
- يمكن للنقد أن يكون تسويقياً، ورواية بنات الرياض أوضح مثال على ذلك، إذ أسهمت مقدمة الدكتور غازي القصيبي في الترويج لها، علما بأنه ليس محسوباً على النقاد، وإنما يحسب على أهل الرأي في النص الإبداعي بصفته من ذوي التجارب الإبداعية ثم تعاور النقد بعد ذلك لهذه الرواية خصوصاً النقد الإيجابي بحكم المضامين الاجتماعية والمضامين الثقافية التي اشتملت عليها الرواية فغدت ذات رواج وذات مقروئية عالية ومرجع ذلك إلى النقد التسويقي.
مدارس النقد
هل يتوافر لدينا مدرسة نقدية سعودية؟
- يبدو إلي أن مسألة المدارس كان يمكن أن تكون في زمن يتعذر فيه التواصل والانفتاح بين النقاد، ما يعني تكتل مجموعة متبنية لقضية أو أطروحة في النقد فينطبق عليها مصطلح مدرسة، أما في زمننا الزاخر بتعددية لافتة والمتغير والمتحول في مفاهيم النص والنقد، والمنفتح على منجز نقدي بتنوع اللغات والمدارس النقدية فكل هذه المنافذ المشرعة تمنع القولبة وتحد من الانغلاق على الذات وتحول دون الانكفاء الداخلي فالنقد مشروع إبداعي وعالمي وتواصلي يلغي مفهوم الخصوصية.
ألا يفضي النمط الاستهلاكي ليومياتنا إلى نقد استهلاكي واجتراري؟
- النقد بطبيعة الحال منجز إنساني، يحاول أن يمتلك أدوات ليتفاعل بها الناقد مع النص ويبدو أن أدوات التأملات النظرية والمفاهيمية والفلسفية تختلف قياساتها عن قياسات الحياة الاستهلاكية المعتادة، والتفريق بينهما قديم، فالنواحي المادية والمحسوسات يمكن أن تتلبسها الاستهلاكية أما النقد فلا يقاس التقويم بذات الدرجة ولا ذات الآلية.
ما تعليقك على مقولة"الأدب المتميز يصنع نقداً متميزاً"وماذا عما يقابله من أدب رديء؟
- لا أرى بالتلازم بين جودة النص وجودة النقد أو رداءتهما فالنقد في تبلوره الجديد أخذ يتجه إلى النص المثري والمنتج للدلالات المتعددة، وكل ما كان النص أرضية خصبة وثرية للناقد فيعد بالضرورة نصاً جيداً ومغرياً للناقد بالتفاعل معه، كما أن النصوص الرديئة مدعاة لقفز الناقد عليها وعدم الالتفات إليها.
هل يمكن أن نصف بعض النصوص الإبداعية والنقدية ب "الخالدة"؟
- مسألة الخلود ما بين النص والنقد تتباين، فالنص يظل يفجر دلالات تختلف باختلاف الأزمنة والنقاد والذوات المتأملة في النص وباختلاف الذات المنتجة للنص ما بين مرحلة وأخرى، ومن شواهد ذلك أعمال شكسبير، ت س إليوت دون كيشوت ونصوص المتنبي والمعري إلى آخر ما تزخر به ملفات الإبداع عند الأمم شرقاً وغرباً، إلا أن الحكم على النقد لا يأتي بذات الدرجة، إذ إنه يقدم قراءة تالية للنص والقراءة التالية تتعالق مع قراءات أخرى ومع تطور المفاهيم النقدية والبشرية، ولذلك لا تحظى بدرجة خلود النص أو يثبت بها النص أو يستكمل.
هل يحق للناقد المطالبة بنص جيد ليأتينا بنقد جيد؟
- مقولات النقد الجديد تؤكد أن الناقد لا يتفاعل إلا مع نص يعطي ويغري ويفتح له أبعاداً ومساحات تفاعلية وكم تمر بي من مجموعات شعرية وقصصية وأقرأها ولا أجد من نفسي تفاعلاً معها، وأحياناً يقع بين يديك نص يجبرك على أن تتفاعل معه.
ولي تجربة الآن مع ملحق الأربعاء لقراءة النصوص ولعلي قرأت إصدارات لشعراء وكتاب قصة لم تستوقفني إلا أن لهم نصوص أخرى تولد الدهشة وتأتي بلغة راقية ومذاق مختلف فتقع في أسر الإعجاب بها والكتابة سريعاً عنها من دون أدنى تردد، فالنص المستفز للناقد نص ثري ومحرض على القراءة، ولن أمارس التقويم للنصوص ولا الإرشاد ولا التوجيه بقدر ما أتعامل مع نص استبطنه وأمتد به ويمتد بي في مساحة كتابية.
متى نخرج من النقد الأدبي إلى النقد الثقافي؟
- يبدو لي أن تصور القطيعة ما بين النقد الثقافي والنقد الأدبي غير وارد أو أنها قطيعة مفتعلة، فالنقد الثقافي يعتمد ويستخدم أدوات النقد الأدبي، فعندما يمتد بك النقد من أدبي إلى ثقافي فهذا من معطيات التحول النقدي التي تجعل النقد ينفتح على مفاهيم متعددة ومداخل متنوعة وتتداخل في علاقات مع النص، إذ لا يرتبط النقد ولا يرتهن لبيان جماليات ما هو ثابت في النص. فالناقد يبذل محاولات لامتداد النص وحركيته في السياق الثقافي، وبما يضيفه إلى الوعي، وما يواجه الذات الكاتبة من إشكالات المكان والزمان والواقع الاجتماعي، فهذا البوح المشترك ليس وليد قطيعة بين النقدين أو تحول من أحدهما إلى الآخر، وإنما هي سيرورة بأدوات وجماليات النقد الأدبي نحو فضاءات أرحب.
أين مشروعكم النقدي الجماعي أم أن لكل ناقد مشروعه الخاص؟
- النقد عادة يواكب النصوص الإبداعية في كل مرحلة من المراحل، ما يسفر عن تحفيز وزيادة الوعي حول النصوص ويلقي الضوء على الجوانب المميزة في بعض التجارب الإبداعية، وبالتالي يخلق ذائقة جمالية للمتلقي، فالخطاب النقدي قوامه التفاعل مع النص عبر مقارنة ومقاربة تاريخية.
النقد والابداع
هل تخلى النقد عن الإبداع وتناول النصوص؟
- يبدو لي أن الناقد ليس معنياً بمتابعة كل نص سواء أكان سردياً أم شعرياً، وأيضاً ليس بالضرورة أن يستمع المبدع لرأي كل ناقد في ما يقدم من نتاج ونصوص، والمبدع الحقيقي من يتطلع إلى مشاهدة أثر نصه، وبطبيعة الحال أن التأثير يتخلل ويمر عبر منافذ عدة وليس النقد منفذها الأوحد، بل من الأمور المهمة تواصل وتفاعل القراء والمبدعين بالنسج على منواله، بل يمكن أن تجعل من القراءة المباشرة لنص آخر يوازي ويماثل نصك يمكن أن تستفيد منها وتجيرها لمصلحة نصك. فليس النقد ترويجاً لنص بقدر ما هو إظهار لجماليات وآليات جديدة، وإغراء لكشف خطابات والتعرف على انقلاب على فكر ساد وانبثاق فكر وأفق جديدين، وما دام النص يدور في هذا الفلك وينفذ عبر هذه المسارب فهو نص فاعل ومؤثر، إلا أن النقد ليس معبراً واحداً ووحيداً لمرور للنص.
كيف ترى الناقد المموه والمعتمد على نظريات وترجمات ونقولات مستنسخة من نتاج عربي أو غربي؟
- لست مع وضع مخابئ رصد للناقد لنحكم عليه بأنه تقليدي أو عالة على غيره أو محتال أو مموه أو مترجم، فكل هذا لا يتسق مع الإبداع، لأنه متى حضر الإبداع فإنه يكسر الحواجز والحدود.
من التعليم إلى رعي الأغنام... إلى التعليم ثانية
اغتال الفرح بالعيد في عيني الوالهة، التي كبر بها الألم عن تلك اللحظة، ليسخرها لندائه الوجودي، حين زغرد مع الفرحين بأول صرخة له في إطلالة شوال عام 1371ه.
تعالت والدته على تلك اللحظة، وتعالى معها الزوج الحبيب، وسمياه"عالي".
صحبه عناق الفرح مع الألم، وكأن ما اقترن بالوجود الأول تلبس به، فعانق نشأة مرضية كادت تؤدي به إلى الموت مرات وكرات، حمل من دلائلها بجسده وشوماً ظاهرة وحروقاً شوهاء، وآخر استحيت فاحتجبت رويداً رويداً على مر الزمان، الذي جاوز منه لحظة هذا التدوين ال 57،
تمر محطات صعبة وقلقة من العناء والفقد المتواصل للأشقاء الصغار، ما إن يعانق والداه بهجتهما بأحدهم حتى تنهكه الحمى، ويودع الحياة تاركاً دمع سرحان وثكل بركة، فيفقد سلمى بعد رحمة ثم عليوي
أفاء الله على الوالدين بعد ذلك بتحسن الأحوال والاستقرار قرب مدينة الطائف، وعاش الإخوة الذين عانى بعضهم على درجات متفاوتة.
وتتسع مساحة الإشراق بمعانقة نفاذ الحرف إلى الوجود، فيتعلم صاحبنا من عمير - الذي استقر عندنا بالهدا يتعلم في كتابها - حروف الهجاء والأرقام، حتى إذا استقر بهم المقام ب"الشبيكة"بالطائف عند العم والجد للأم، اصطحبني الوالد مع العم حسين إلى فلسطيني أنشأ ما يشبه الكتاب بسكن للأهالي حول معسكر المستجد، كان يعلمنا فيه القراءة والكتابة وفق المنهج الحكومي لقاء أجر شهري يبلغ عشرة ريالات، وكان ما ان ينهي أحدنا كتاباً حتى يشرع في تعليمه الكتاب الذي يليه.
فكنت في فترة السنتين التي يحصل في أثنائها رحيل إلى الهدا في فترة الصيف من أجل الاشتغال في الحصاد هناك، قد تعلمت في بعض المناهج إلى مستوى الصف الخامس. لكن غمامة الشقاء لا تفارق رضيعها، فيراود مدرسة حكومية هي مدرسة قروى عام 1382ه، فيدرك الوالد وابنه أن المستوى الذي سيلحق به أقل من مستواه، وفي مساء ذلك اليوم يرى الوالد وهو يحاوره أن الحاجة له لأن يرعى الغنم ويتفرغ الوالد لجمع"الخرصان"الذي كان يباع بسعر مجز تلك الأيام أجدى من المدرسة، فيبدأ شقاء الرحيل عن التعليم، لكن القدر يكن فرجة أخرى، ومساراً مختلفاً، فتح هذه السدة التي لم تستمر أكثر من عام، إذ تنتقل الأسرة إلى قرية الدار البيضاء بوادي محرم.
وكان شعاع التعليم قد بسط رواقه هناك ليستوعب تلاميذ القرية وما جاورها من بلاد طويرق، فيمضي الجار مصلح النمري والوالد إلى المدرسة السعودية ليستقبلهما مدير المدرسة ضيف الله كامل حسنين هاشاً باشاً، فيعقد للوافد الجديد اختباراً مع مختبري الدور الثاني تلك الأيام من بداية العام الدراسي 1383ه، فيجتاز مستوى الصف الثالث ويلحق بالصف الرابع.
وترحل الأسرة من الوادي، ويستقر صاحبنا عند أخواله من الرضاعة، عند خاله: عبدالله بن وصل الله النمري، ليكمل تعليمه الابتدائي بتفوق هناك حيث حقق الترتيب السابع على مستوى منطقة الطائف، والثامن والثمانين على مستوى المملكة في امتحان شهادة اتمام الدراسة الابتدائية للعام الدراسي 1385/ 1386ه.
تتسع في هذه اللحظة أمداء السرد وفضاءاته، وليس أمام صاحبكم إلا أن يختزل المسترجع في ومضات، لذلك سأطوي الصفحات إلى عالم القراءة ومعاقرة الكتابة ورسم اتجاه الاهتمام في دار التوحيد بشقيها المتوسط والثانوي، وفي أنشطة تعليم الطائف عبر احتفالات المدارس، والمراكز الصيفية، والمسابقات الثقافية والكتابية، تفتح لصاحبكم نوافذ كانت ضرورية لتحويل المكتنز المعرفي إلى ثقافة وعالم نعايشه فنعيش فرحة الفوز على هذه المدرسة أو تلك، أو الظفر بمركز متقدم في مسابقة أو كتابة يقال إنها بحث على مستوى المملكة أو المنطقة.
ونعايش مسرحاً مدرسياً كان منفتحاً على الفن، ويظللنا بجمال الروح والنغم، وفي أجواء تثرينا عبر محاضرات يتناوب عليها أدباء أمثال: أحمد أبو سليمان، السيد محسن باروم، عبدالله الحصين، محمد سعيد كمال كنا نستلهم روح الكتابة والحوار.
وفي مرحلة التعليم الجامعي ننفتح على نافذة أوسع ونحاول أن نسجل فعلاً ثقافياً فننشئ مجلة حائطية تحولت إلى مجلة تطبع بالآلة الكاتبة حملت اسم: الأصداء ومن كتابها ورساميها: سعيد السريحي، عثمان الصيني، دخيل الله أبو طويلة، عاصم حمدان، سعد حمدان، غائب الحارثي.
تتلقفنا مناهج الجامعة بتيارات متباينة أبرزها تيار الإخوان المسلمين، إذ كانت تضم الجامعة أعلاماً منهم محمد الصواف، محمد المبارك، محمد القاسمي، حامد حسان، محمد قطب، محمد أمين المصري.
وكانت طبيعة التخصص اللغة العربية وآدابها تربطنا بتيار تجديدي في الأدب واللغة لدى أعلام أمثال: عبد الصبور مرزوق، محمد هاشم عبدالدايم، عبدالبصير عبدالله، عبدالحكيم حسان، ثم لطفي عبدالبديع، وخليل عساكر، ومحمد الأنصاري.
فاشتعلت بنا وبهم حوارات حول النص الأدبي، وطريقة التاريخ الأدبي، شجعها فينا أيضاً رواد التعليم الجامعي في فرع جامعة الملك عبدالعزيز أمثال: حسن باجودة، ناصر الرشيد، محمود زيني، مصطفى عبدالواحد، علي الكنوي، فكانت بعض الحوارات حول المدارس النحوية، والتقاليد الأدبية، وفصل النص عن الأيدلوجيا، وعلاقة النص بالدلالات الالتزامية مهيئة لنا للدخول في منهج جديد للتلقي الأدبي وقراءة النص يقوده لطفي عبدالبديع، فرض انفتاحاً على المناهج الأسلوبية، وآلياتها من الدراسات اللسانية، والبنيوية.
سيرة ذاتية
- يعمل أستاذاً للنقد في جامعة الطائف.
- من مواليد محافظة الطائف 1371ه، 1952.
- حاصل على الماجستير من جامعة أم القرى عام 1402ه على أطروحته"المبالغة في البلاغة العربية".
- حاصل على الدكتوراه من الجامعة ذاتها عام 1410ه، على أطروحة تناول فيها"الصورة الشعرية في شعر بشر بن أبي خازم الأسدي".
النشاط والمشاركات
- عضو مجلس إدارة نادي الطائف الأدبي.
- عضو هيئة تحرير دوريتي"وج"و "سوق عكاظ"الصادرتين عن أدبي الطائف.
- رئيس اللجنة الثقافية لسوق عكاظ.
- مشارك فاعل في ملتقيات نقدية عدة داخل السعودية وخارجها.
المؤلفات
- المبالغة في البلاغة العربية، أنت واللغة، طاقات الإبداع، الرؤية الإنسانية في حركة اللغة، شخصية الطائف الشعرية، رحلة الذات في فضاء النص، نص المرأة، حكي اللغة ونص الكتابة.
-"عكاظ وحي الإبداع وتجليات الوعي"بالاشتراك مع الدكتور عاطف بهجات.
- كتابة أكثر من ثلاثين بحثاً منشورة في دوريات محكّمة ومجلات ثقافية وكتب توثيق المؤتمرات والملتقيات، وله نشاط كتابي أسبوعي في الصحف وكتابات في مجلات متخصصة وصفحات ثقافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.