بدر عبدالعزيز [email protected] اعتصم المتظاهرون السودانيون فترة طويلة في محاولة لإسقاط نظام البشير العسكري الذي توارى خلف اللباس المدني ذي الخلفية الإسلامية طيلة 30 عاماً، وعندما لم يتسن لهم ذلك استعانوا بالجيش ليزيحه عن كاهلهم بدفع من قوى ذات خلفية يسارية، ففاجأهم الجيش، إذ كل ما نالوه منه هو التضحية بالبشير نفسه في سبيل إبقاء الدولة العميقة التي ما فتئت تنزع عن نفسها اللباس المدني وتظهر البزة العسكرية لتطفو على سطح المشهد السياسي بأدواتها ورجالاتها مرة أخرى. إن الخطأ الجوهري الذي تشارك فيه قطبا النزاع على السلطة هو ما أدى لفقدان البوصلة في المرحلة الانتقالية، فالمجلس العسكري من ناحيته قرّب أقطاب النظام السابق بدلاً من إحالتهم للقضاء، وقام باعتقالات بين صفوف المدنيين، ثم أتبعها بمحاولة فرض السيطرة على الطرقات حتى أسال الدماء بفض الاعتصام بالقوة، فقطع الصلة بينه وبين الشارع السوداني، ونزع الثقة عن نفسه بدلا من الالتفاف حول الشعب والسير به لمرافئ الاستقرار كما فعل من قبل سوار الذهب إبان انتفاضة أبريل 1985. أما حركة الحرية والتغيير ومعها تجمع المهنيين فقد حاولوا استغلال زخم المظاهرات لمحاولة فرض شروط نقل السلطة للمدنيين بتكليف طويل المدى للسيطرة على القرارات السيادية والسلطة التشريعية بلا استحقاقات انتخابية مما يفقدهم الظهير الشعبي والسند القانوني. إن ما يحدث الآن في السودان ما هو إلا استبدال للعصا التي كان يلوح بها البشير بمجموعة من العصي يضعها كلٌ من طرفي النزاع في عجلة الآخر لتعطيله، والضحية هو الشعب السوداني المغلوب على أمره الذي انتفض ليجعل من السودان دولة مؤسسات يقودها المدنيون والعسكريون كلٌ في حدود مسؤوليته، ولكن بعد الاتفاق الأخير أشرقت بارقة أمل في حل لعله يرضي جميع الأطراف.