غادر أوباما البيت الأبيض ماسحاً دموعه ولكنه لم يستطع مسح الصفة البارزة لفترة حكمه الموسومة بالاستقطاب الحزبي الذي بدأ منذ الأسابيع الأولى لرئاسته، حينها أدرك الجمهوريون أن حملته الانتخابية قامت على الحزبية كما وصفها مراسل ال«التايم» مايكل غرنوول، ساعده في ذلك خسارة الجمهوريين لمقاعد في الكونغرس، إضافة لكونهم أصبحوا أقلية في مجلسي الشيوخ والنواب. كانت أمريكا كلها بين يدي الرئيس في اليوم الأول لحكمه حسب وصف المستشار الإستراتيجي «فريدريك لينتز» وكان يستطيع إعادة تشكيل السياسة الوطنية كما فعل «روزفلت»، ولكن هذا الأمل بدأ ينهار باعترافه هو نفسه عندما قال إن هدفه برفع مستوى الحوار بين السياسيين وتقليل النزاع الحزبي قد فشل. لاشك أن الاستقطاب الحزبي كان كرة ثلج تدحرجت خلال سنواته الثماني ومرت بعدة مراحل ملقية بظلالها على سياسة واشنطن ومسببة خللا وظيفيا أثر على قدرة الحكومة على العمل. المرحلة الأولى من الانقسام بين الحزبين بدأت منذ استلام أوباما لزمام السلطة في أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير 1929 ومن هنا بدأ الاختلاف الحقيقي والخلاف بين الحزبين في كيفية التعاطي مع الأزمة الاقتصادية حيث رأى الجمهوريون الحل في إعطاء حوافز لأرباب العمل بينما رأى الديمقراطيون الحل في توسيع الإنفاق الحكومي. واتسعت الفجوة بينهما بالخطة التحفيزية حيث اقترح أوباما إنقاذ مالكي البيوت الأفراد، فكانت نقطة التحول في السياسة الأمريكية بنشوء أقوى حركة سياسية أمريكية في العصر الحديث (حركة حزب الشاي)، وساعد في تنامي شعبيتها التغطية الإعلامية السلبية التي صورت للمواطنين أن 800 مليار سيتم إنفاقها على مشاريع غير ذات جدوى، ما أرغم أوباما الذي يزين مكتبه بعبارة (الأشياء الصلبة صلبة) لإظهار مرونة غير معتادة بذهابه إلى مقر الجمهوريين للتحدث معهم حول إقرار الخطة. وظل هذا التصدع يزداد حتى طُرح قانون الرعاية الصحية الشاملة (أوباماكير) الذي اعتبره حتى بعض مستشاريه انتحاراً سياسياً. كان أوباما يمرر قراراته مستنداً إلى التكتل الديموقراطي ودون أي صوت جمهوري حتى انقلب السحر على الساحر باستحواذ الجمهوريين على مجلس النواب 2010 ليواجه أوباما بعدها العقبات في طريق تمرير أي قرارات. وحتى حينما تمت إعادة انتخاب أوباما لدورة رئاسية ثانية 2012 قابلها اكتساح الجمهوريين لمجلس النواب فازداد الاستقطاب وقام المجلس بإغلاق الحكومة في محاولة لإجبار البيت الأبيض على إلغاء كل قرارات الفترة الرئاسية الأولى!! فتطور الانقسام. ثم تهاوت آمال التعاون بين أوباما ومجلسي الشيوخ والنواب عام 2014 بتزعم «ميتش ماكانول» للأغلبية. كل مخلفات أوباما هي علامات نهاية عصر الإمبراطورية الأمريكية إذا لم يتم حلها بشكل جذري خلال فترة ترمب الذي يرى نفسه صاحب رؤية جديدة مختلفة وأنه مستقل فكرياً عن كلا الحزبين. [email protected]