سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في مقابلة خاصة وصريحة مع الرئيس السوداني السابق . نميري يوجه الاتهامات عبر "الوسط": حكام السودان ارهابيون ومخربون أدعو الى انقلاب مدني - عسكري لاسقاطهم ."أريد العودة كرئيس للجمهورية لانقاذ بلدي"
هذا حديث "كل الاتهامات" مع الرئيس السوداني السابق جعفر نميري اجرته معه "الوسط" في القاهرة حيث يقيم منذ الانقلاب الذي نفذه الجيش بقيادة الفريق عبدالرحمن سوار الذهب ضده وضد نظامه في نيسان ابريل 1985. فنميري يتهم النظام الحالي في الخرطوم بزعامة الفريق عمر البشير بأنه عزل السودان عن العرب وحول هذا البلد الى مركز لتدريب الارهابيين والمخربين، ويتهم حكام السودان بأنهم حولوا ابناء هذا البلد الى "فقراء ومشردين"، ويتهم الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق بأنه عمل على "تخريب" السودان، ويتهم الجبهة القومية الاسلامية بزعامة حسن الترابي، باعتناق "الارهاب". ولا يكتفي نميري بتوجيه هذه الاتهامات بل يعلن ان الحكم الحالي في السودان "انتهى"، ويدعو الى القيام بانقلاب "جماهيري - مدني - عسكري" للاطاحة به نهائياً، ويؤكد رغبته في العودة كرئيس لجمهورية السودان. ويشير نميري في حديثه هذا، مرات عدة، الى "ثورة مايو" والى "مايو" والى "الماويين" والمقصود بذلك ثورة ايار مايو 1969 التي قام بها وأتت به رئيساً للسودان. بعدما اطاح بحكومة "السيدين" - كما كانت تسمى - وتضم محمد عثمان الميرغني زعيم حزب الاتحاد الديموقراطي وراعي طائفة الختمية، وممثل حزب الامة ابراهيم خليل. وقامت ثورة مايو آنذاك بضرب الاحزاب كلها. وفي ما يأتي هذا الحوار الخاص مع جعفر نميري: اعتدت ان تصدر بياناتك باسم "تحالف قوى الشعب العامل" ثم لجأت اخيراً الى اسم "تحالف القوى الوطنية" فلماذا هذا التغيير، وما دلالته لديك؟ - جاء هذا التغيير مناسباً للاتجاه الذي يسير العالم فيه الآن نحو التعددية السياسية والحزبية على رغم اعتقادي بأن الاتحاد الاشتراكي السوداني الذي اعتمد على تحالف قوى الشعب العامل، كانت صيغتة متقدمة جداً عن التعددية السياسية، لأنه اشرك كل الناس، وضم اخرين لم يكن ممكناً اشراكهم. تؤكد ذلك مجالس الشعب التي كانت لدينا. وأرى ان السودان ودول العالم الثالث عموما تحتاج الى التدرج وصولاً الى التعدد السياسي والحزبي. بالنسبة الى السودان، رأينا كيف عادت الاحزاب لتسير بطريقتها العقيمة نفسها التي تخضع فيها لرغبة فرد واحد هو رئيس الطائفة او القبيلة، وبالطبع هذا ابعد شيء عن فكرة الحزب التي تفترض تجمع الافراد على الافكار والدراسات والتصورات. لم تكن هناك احزاب في السودان، ونحن نريد عمل هذه الاحزاب. واعتقد ان احسن تجربة في هذا السبيل هي التي بدأ بها المرحوم الرئيس انور السادات وانشأ فيها المنابر. واعترف انه حينما بدأ السادات هذه التجربة كنت اؤمن ان ما لدينا متقدم جدا على هذه الصيغة، فنحن اذا تحدثنا عن احزاب في السودان فسنرجع الى حزبي الامة والميرغني، وهذا متأخر جداً. غير اني كنت انوي، بعد نهاية فترة رئاستي آنذاك، انشاء احزاب جديدة، على سبيل التجربة، حزب للعمال وآخر للفلاحين وكذا التجار وهكذا. لماذا لم تفعل؟ - برزت مشكلة هي، هل الجيش يعمل حزباً ام لا؟ واذا تم السماح له بحزب، هل سيستعمل القوة بدلاً من الانتخابات؟ كانت مشكلة تقتضي دراسة عميقة ووافية، كانت هناك اراء ترى ان افراد الجيش مواطنون يحق لهم الانضمام الى اي من الاحزاب، من كان اهله من المزارعين فليذهب الى حزب الفلاحين وهكذا. بعض آخر قال لي امنع الجيش من العمل السياسي على الرغم من ان فرد الجيش يبذل روحه فداء الوطن وبالتأكيد لديه اقتراحات في شؤونه. عموماً هي مشكلة لم تحل الى الآن حتى في داخل النظام الغربي. بعد ذلك جاءت انتكاسة الاحزاب، وظهر وجود المشكلة بالفعل، لأن الاحزاب استطاعت شراء افراد من الجيش وعلى رأسهم سوار الذهب، وهذه خيانة عظمى لأن هذا الرجل كان وزيراً للدفاع، وقاد الانقلاب ضد كل المؤسسات الدستورية، المهم الآن، اننا نريد التماشي مع العالم بتحالف القوى الوطنية، نريد احزاباً، لكن بشروط ينظمها قانون تخضع له هذه الاحزاب، ومن بينها حزبنا تحالف القوى الوطنية. أعرف ان هناك من يكرهون اسم الاتحاد الاشتراكي، لكن من الممكن تغيير الاسم. انا ارغب ان يكون للناس اراء مختلفة، كل لديه حزبه، وعندما تسفر الانتخابات عن اقوى حزب، فمن حقه ان يقود الحكم لكني اعتقد ان الحكومة لا بد ان تكون للجميع كل حزب يشترك بنسبة اصواته، ويمنح عدداً من الوزارات لا بد من اشراك الجميع حتى لو اضطررنا لانشاء مزيد من الوزارات. اعتقد ان هذه خطوة ضرورية في بلد كالسودان حتى يتعلم الناس ماهية الاحزاب، ويتحملوا مسؤولياتهم الكبرى ازاء احزابهم. الصادق المهدي كسب غالبية الاصوات فجاء رئيسا للوزراء، لكن لم تتم استشارة اي من اعضاء حزبه في ان يكون الصادق رئيساً للوزراء او حتى رئيس حزب ام لا؟ كانت ديكتاتورية حزبية وأنا اعمل ضدها الآن. واعتقد اننا عملنا ضدها في فترة ايار مايو، ونجحنا جداً. كان لدينا مجلس شعب لم تكن فيه المعارضة لأجل المعارضة، انما كانت لاصلاح البلاد، كان الجميع يحمل في داخل نفسه المؤيد والمعارض في آن واحد. انا شخصياً قدمت قانوناً لقي معارضة، ففي احدى الفترات كان السودانيون يحصلون على اجازات ويسافرون الى دول خليجية لمدة شهرين او ثلاثة، وعندما يجد الفرد منهم عملاً له هناك، يبقى، واذا لم يجد يعود الى عمله بالسودان، على رغم من غيابه كل هذه المدة. كان القانون يمنحهم ذلك، فقدمت اقتراح قانون يعتبر كل من غاب عن العمل اكثر من 21 يوماً هارباً من الخدمة، وعارض ذلك رئيس اتحاد نقابات العمال الذي كان عضوا بمجلس الشعب، مشيرا الى ان هذا القانون يؤثر على معيشة اسر العاملين، وحاز رأيه على غالبية، وتم اسقاط قانون رئيس الجمهورية. وبعد سنة عاد رئيس اتحاد نقابات العمال لتقديم القانون نفسه، فقلت له لا. هل يدل حديثك على ان اصلاح الوضع بالسودان يتطلب قيام فترة انتقالية؟ - قد يتطلب ذلك، لكن يجب ان تكون الفترة الانتقالية طويلة. كم مدتها؟ - ليس اقل من خمس سنوات. هل تتصور وجود احزاب غير تلك الموجودة بالسودان اصلا؟ - اتصور غير رؤساء الاحزاب الدينيين الطائفيين الموجودين الآن، وهذا سوء الوضع بالسودان، هناك حزبان يقومان على الطائفية، انصار وميرغنية ويشوهان صورة الاحزاب بالسودان، هؤلاء الاشخاص يجب ان تمنع رئاستهم للاحزاب، لانهم يعيشون على تراث العائلة. هل تعني الفصل بين البيت والحزب السياسي؟ - بكل تأكيد، ونحن كاتحاد اشتراكي، لأننا غيرنا اسمنا او طلب منا تغيير هذا الاسم، سنطلب من هذه الاحزاب تغيير هذه الاسماء القبيحة. ظل السودان يعرف تعاقب دورات الحكم بين العسكر والمدنيين، في ما عرف بالدورة الخبيثة، هل لديك تصور لحل هذه المشكلة؟ - اعتقد ان الجيش العامل ليس من حقه تكوين حزب الآن لديه القوة التي يمكن ان يستغلها ليقول اي شيء. هذه قضية مهمة. انا اصدرت قوانين الشريعة الاسلامية، واكتشفت ان الاخوان المسلمين استغلوا هذه القوانين كقوة في يدهم يحاربون بها. لقد اعترفوا بذلك وقالوا في كل المنابر والاحاديث والبيانات انهم كانوا يستعملون هذه القوانين لمحاربة نميري ولحمل الشعب على كراهيته. قطعوا ايادي الناس ظلما وبغير حق، كي يكره المواطنون نميري فكانت اسوأ عدالة. ماذا فعلت إذن؟ - وقفت ضد هذه المسألة وقررت الغاء القوانين الى ان يتدرج الناس ويصلوا الى مستوى معقول من العلم والفكر ويكون لديهم امانة كافية لأن اسوأ شيء هو استغلال الاسلام. لقد اصدرت بياناً بذلك، استشهدت فيه بآراء سيد قطب نفسه، الاسلام يسمح بالرجوع عن الخطأ والتوبة فيه شيء عظيم، وأنا لم اخطئ حتى اتوب، لكن هناك اناسا استغلوا ذلك، ووجدوا فيه منفذا لمصلحتهم الخاصة. "لا نعرف من يحكم السودان" تكلمت عن قانون للاحزاب بالسودان؟ - نعم، يجب اصدار قانون يحظر اعتماد الاحزاب على امكانات من الخارج، ويمنع قيام الاحزاب على اسس طائفية وكذا الاحزاب العقائدية التي تستورد افكارها من الخارج، مثل الشيوعيين والاخوان المسلمين. كما يجب ان يشمل هذا القانون عدم اتكال الاحزاب على قوات نظامية او عسكرية او خلافه، يجب ان تفرض موازنة خاصة لقيام الاحزاب، على الاقل لا بد ان يكون للحزب قاعدة انتخابية مقدرة تمنحه الشرعية حتى ولو لم يكن لديه نائب بالبرلمان، هذا ضروري لتقليل عدد الاحزاب وبقدر الامكان الحفاظ على التماسك بينها. الاحزاب ايضا تقوم على اساس المواطنة لا القبلية والعنصرية. كما لا بد ان يكون للحزب مصدر دخل واضح بواسطة اشتراكات اعضائه او بعمل زراعي او تجاري لماذا اشترطت ان تكون الفترة الانتقالية خمس سنوات على الاقل، وما مهمات هذه الفترة برأيك؟ - ذلك ضروري للتأكد من ان مؤسسات الدولة قامت على اسس دستورية ولتحديد نوع الحكم الذي يريده الشعب جمهورية رئاسية ام برلمانية او ملكية. في هذه الفترة يمكن تحديد ذلك اذ ليس ممكنا ان تأتي الاحزاب قبل ذلك لتفعل ما يحلو لها. لا بد من وضع اسس واضحة للنظم السياسية واعطاء فرصة للممارسة. من يقود الفترة الانتقالية؟ - القوات المسلحة وسياسة مايو المقصود بذلك ثورة ايار - مايو - التي اتت بالنميري الى الحكم وتكون خاضعة للتعديلات. ما هي التعديلات؟ - هناك من يقول ان مايو اخطأت، نحن نقول ان ذلك خاضع للنقاش والباب مفتوح لأي انتقاد وتوجيه، اليوم يوجد انقلاب كبير جدا بالسودان، هناك من قالوا لي خطأك الكبير انك لم تقتل الصادق المهدي والميرغني، لماذا تركتهم فهم يدفعوننا الى الوراء ومفروض ضربهم. على العكس قلت يجب ترك الباب مفتوحاً كي يشترك الجميع. لكنهم جاؤونا بحلمهم القديم. هناك من رأى ان التكامل مع مصر خطأ وبالفعل عندما جاء من بعدي هؤلاء بدأوا يحاربون كل شيء في هذا التكامل الى ان وصلوا الى ما وصلوا اليه الآن فيطالبون بحلايب. هل صارت المشكلة قطعة ارض؟ نحن الغينا خط العرض 22 نفسه وجعلنا القاهرةوالخرطوم شيئاً واحداً في قطر واحد. وكان المصري او السوداني يركب الطائرة وكأنه ينتقل بين القاهرة والاسكندرية. قالوا ان هذا خطأ واننا نريد شخصيتنا الخاصة. فهل افقد شخصيتي اذا اتحدث مع اشقاء؟ هل فقدت اوروبا شخصيتها؟ العالم يسير الآن في تكتلات. ما زلت تسعى الى العودة الى السودان، فماذا لديك من جديد حتى تعود، ام انك تسعى لان تعود رئيسا فقط؟ - المسألة ليس في الجديد، فالسودانيون يريدون العودة الى ما كانوا عليه، لانهم الآن في حالة مزرية، مشردون، خائفون، لا امن لهم، يحاكمون من دون قوانين، فقراء، فقدوا حتى لقمة العيش، منعزلون وسط العرب والافارقة وكل العالم. السودان يتعامل الآن مع ثلاث دول فقط هي العراق وليبيا وايران، الناس تتمنى عودة نميري. السودان صار متهما بالارهاب بسبب حكومته التي تقيم معسكرات للتدريب على التخريب في البلدان العربية والاسلامية. هذه وقائع حدثت في تونس والجزائر، وارادوا ارسال بعض الارهابيين الى داخل مصر، وتم القبض عليهم، وقبل ثلاثة اسابيع تم ضبط عربات محملة بالاسلحة والرشاشات، حاولوا ادخالها الى مصر، هذا فضلا عن انك لا تعرف من يحكم السودان الآن. الحكومة ام الجبهة القومية الاسلامية بزعامة حسن الترابي. لو ظل نميري حاكماً، هل كان سيحكم الآن بطريقته الماضية، حتى في ظل التغييرات العالمية؟ - كنا نتمسك بالديموقراطية ونسير بخطوات ترتكز على اشراك الشعب وارساء البنيات الاساسية للوطن، واصلاحاتنا كانت في طريقها، كان لدينا رصيد جميل جداً، وكان السودان يحظى بالاحترام، وانا وقفت ضد اميركا من اجل الاعتراف بالمانيا الشرقية، كما قلت لهم ايضا علاقتكم بالصين شيء وعلاقاتنا بها شيء آخر. اتفق العالم العربي كله على محاربة اسرائيل فحاربناها. وعندما جاءت اقرب الاقربين، مصر، وقالت نصنع سلاماً، وقفت معها، انا لم اكن هاوي حكم، كل مرة كنت اقول لهم كفى، اريد ان امشي، لكنهم تمسكوا بي. لم يكن لدي مزاج، لقد جئت ووصلت بالسودان الى هذا المستوى، واريد ان ارحل. انا فقدت كل شيء، فانا رجل اجتماعي جداً، احب الحركة، امل من الجلوس في مكان واحد، في اي وحدة عملت بها في الجيش لم اتم سنتين، ولذا عملت في كل السودان تقريباً، وعندما كنت رئيساً للجمهورية كسرت كل البروتوكولات. لماذا اذن تريد العودة الى الرئاسة مرة ثانية؟ لانقاذ السودان، انا لا اريد العودة الى المنصب، بل لاخدم السودان بما لي من خبرة. لقد قضيت ست سنوات في الخارج وأكاد اكون عرفت جيدا من هو الامين ومن هو المخلص في السودان، ومن ذا الذي غير ذلك. اسقاط الحكومة بالتظاهر قلت انك وقفت ضد اميركا، لكنهم يقولون انك ستعود بواسطة اميركا؟ - اميركا تحدد سياسة العالم الآن ولها دخل في كل شيء، هل نضحك على انفسنا. قضايا السودان او العالم العربي وافريقيا صارت دولية واميركا اصبحت اقوى ولديها كل الخيوط ولها اثر في كل تحرك، ليس تحركي انا، بل تحرك اي دولة. روسيا انتهت، وكل الدول تريد موازنة اميركا وغير قادرة وتوجد كتل كبيرة كاوروبا واليابان والصين وغيرها. قلت ان الفترة الانتقالية في السودان تقودها قوات مسلحة وسياسة مايو، والشكل الموجود في البلاد الآن يتحدث عن جبهة اسلامية وقوات مسلحة فما هو الفارق اذن اذا كان الصراع الحالي سيستمر وربما تتسع اطرافه؟ - طبعاً توقع الصراع والمعارضة موجود واذا لم توجد معارضة فاننا نضحك على انفسنا، لكن عندما اقول سياسة مايو فهي مختلفة. الموجودون الآن يعتقدون ان سياستهم مثلنا ويقلدوننا بهذا الشكل، لكن ما هو قائم في السودان اليوم ارهاب ديني واضح. عندما حدث انقلاب الفريق عمر البشير عام 1989 وضع رئيس الحزب الاسلامي نفسه بالسجن بينما قال كل العالم ان هذا انقلاب اخوان مسلمين، وهم ينفون ذلك. ثم اتضح ان قائد الانقلاب نفسه عضو في تنظيم الاخوان المسلمين منذ ان كان في القوات المسلحة، وكتبت عن ذلك بالصحافة. هم عملوا جبهة قومية اسلامية من الاخوان وبعض المتصوفة والآخرين اعضاء في الاتحاد الاشتراكي، وخدعهم الاخوان المسلمون. هؤلاء اعتنقوا الارهاب كمذهب ومضوا في تدريب عناصر في معسكرات ارهابية. لقد تم القبض على بعض المتدربين في السودان وهم تابعون لدول في المنطقة. فما وجه الشبه بين هؤلاء وسياسة مايو؟ لم نكن ابدا ارهابيين. كنا اصدقاء لكل دول العالم وعندما اراد الملك الحسن تحرير الصحراء وقال نريد العرب في تظاهرة سلمية اتخذنا قراراً بالمشاركة وارسلنا 25 شخصا بقياديين من مايو. عندما خرج ياسر عرفات من لبنان تقدمنا لاستقباله واهله وحتى الآن موجودون في السودان. في اول اجتماع لي في الجامعة العربية انقذت منظمة التحرير من التصفية في الاردن عندما اخرجت ياسر عرفات وقياداته من هناك. اشتركنا مع الدول العربية في كل شيء ومصر تشهد على ذلك. في نص قانون القوات المسلحة السودانية قلنا ان مهماتنا امن البلاد الداخلي والحدود والمشاركة طبقا لقرارات الاممالمتحدة والمنظمات الاقليمية كالجامعة العربية ومنظمة الوحدة الافريقية. وفي هذه المنظمات كان لي نصيب الاسد في كل لجان التوفيق بين الدول. أثناء وجودك كرئيس عرفت التحالفات واخرها مع الاخوان المسلمين، فمع من ستتحالف مرة اخرى في سعيك للعودة الى السودان؟ - قلت اننا رفعنا راية الوحدة الوطنية لكل السودانيين ومعهم جميعا. لنقف كلنا تحت نظام تعددي حزبي، ونحن نتمسك بتنظيمنا ونعتقد انه كان ناجحا والدليل على ذلك انه مستمر حتى الآن بالسودان ولم يفلحوا في افشاله. كثير من رجال مايو دخلوا المجلس الوطني للحكومة الحالية، فكيف مستمر اذن؟ - بعضهم دخل لأنه يريد ان يعيش، وليس من اجل ممارسة العمل السياسي. للاسف الشديد نجحت الحكومة الحالية في تجويع الناس؟ يبدو انك تلتمس العذر لهم؟ - التمس لهم اعذارا كثيرة، وربما دخلوا ليناضلوا بطريقة اخرى. وانا اعطيت الفرصة لهم. سألوني: هل ندخل ونعمل معهم؟ فقلت لهم انتم من يحدد المواقف في الداخل، اذا قررتم الدخول في اي مؤسسة ترون لها فائدة للوطن ولنا تفضلوا. لا استطيع ان احرم شيئا وانا احاربه، فلا يحق لي ان اقول بديكتاتورية الصادق المهدي والميرغني لأنهم يصدرون التعليمات وافعل الشيء نفسه وانا في القاهرة وهم يقيمون في الداخل ويعرفون اكثر مني. لماذا رفضت التعليق من قبل على قرارات تجمع المعارضة السودانية في لندن؟ - لأنني سمعت ان مؤتمر لندن وراءه من اعتقد انه يعتمد في زعامته على الوراثة، وهذا الرجل اعتبره من الزعماء غير الامناء في السودان، خصوصا بعد تسلمه مناصب وزارية كبرى، فهو من الذين خربوا الاقتصاد السوداني الحديث. من جانب آخر رأيت انه لا شيء يدعو لهذا المؤتمر، لقد كان تظاهرة، اكثر منها عملا مفيداً للسودان، هم ما زالوا على طبيعة الاحزاب السابقة يتكلمون ويهاترون من دون خطط وما يحدث في السودان الآن لا يحتاج الى مؤتمرات انما الى عمل فقط. شيء واحد اساسي مطلوب، هذه الحكومة يجب ان تسقط وتترك الشعب السوداني يقرر مسيرته الى الامام ويقرر كيف يعيد كرامته التي فقدت في العامين الماضيين. برأيك، ما هي الطريقة التي يمكن ان يعبر بها الشعب السوداني عما يريده؟ - بالتظاهرات. فعندما عبر الشعب السوداني بتظاهراته، وقال انه لا يريد نميري قعدنا هنا في القاهرة. وللاسف الشديد بدأت الاخطاء من القرارات الاولى التي اتخذها سوار الذهب. نزع جهاز الامن ووضع كل الوزراء والكبار في السجون من دون وجه حق، لم يفلحوا سوى في محاكمة 6 اشخاص بتهم ملفقة وهؤلاء خارج السجون الآن، اضعف القوات المسلحة التي هي قومية. ادخل الاحزاب من دون ان تكون مستعدة وترك الصادق المهدي يزور في الانتخابات حتى في داخل الخرطوم، كما ترك حزب الاخوان المسلمين يزوّر ايضا، ونحن نعرف ان عدد اعضائه لا يزيدون عن 65 ألف شخص بالسودان. حددت التظاهرات كطريقة تعبير، فماذا عن الانتخابات؟ - تتطلب تنظيماً ويجب ان تكون هناك هيئة محايدة. نحن مستعدون لقبول اشراف الجامعة العربية او منظمة الوحدة الافريقية على ذلك. تريد ذلك الآن؟ - نعم حتى تكون هناك حكومة انتقالية نحن مستعدون في هذه اللحظة وليفتح الباب لكل من اراد الترشيح. كرئيس جمهورية ام رئيس حزب؟ - كرئيس جمهورية. هل تعتقد انه لا توجد مساحة لتقربك من بقية احزاب المعارضة السودانية؟ - المساحة موجودة ومتوفرة مع كل السودانيين المخلصين الذين لم يكونوا سببا في اضعاف السودان وتسليمه للارهابيين. هذا تعبير خارج الاحزاب الموجودة الآن؟ - قلت يوجد اناس في المعارضة الآن كانوا سببا في تسليم السلطة للقائمين الآن. "هذا الحكم انتهى" لك خبرة طويلة في التعامل مع الاخوان المسلمين في السودان، من المصالحة الى التحالف والصراع، وحتى بعد ان جاء حكم الاحزاب، تكلمت في احاديث عدة عن ان الانقلاب العسكري الاخير كان تابعا لمايو وسرقته الجبهة القومية الاسلامية بزعامة الترابي، هذا المشوار الطويل انتهيت منه الى ماذا؟ - انتهيت الى ان هؤلاء الناس اذكياء ويعملون في محور لا يقتصر على السودان وحده، لهم ايد كبيرة وقوية في العالم تساعدهم، وخلفهم اموال كثيرة ويقومون بعمليات ارهابية في كثير من البلدان الاسلامية الاخرى بهدف السيطرة على السلطة لا بغرض انقاذ الانسانية مما هي فيه. هل تبلورت هذه المعرفة لديك اخيرا فقط؟ - تبلورت لي اخيرا وبعد خروجي من الحكم ايضا. وفي الايام الاخيرة من الحكم بدأت اشعر بشيء من هذا القبيل، ولذا قبل شهر من خروجي من السلطة كنت وضعت كل زعماء الاخوان المسلمين بالسجن لتقديمهم لمحاكمات، لكني لم استطع فلم اعد الى السودان. إذن ما تفسيرك انك عدت مرة اخرى للتحالف معهم في حركة عسكرية واحدة انتجت الحكومة الحالية؟ - لم أتحالف معهم ابدا انما البشير دخل بسرعة جدا، هم اسرعوا عندما عرفوا داخل القوات المسلحة ان مايو اقوى وانها هي التي نظمت فارسلوا هؤلاء الناس لاستلام السلطة. وقام البشير بالانقلاب على من كانوا معه من الضباط، والاخرون لم يشعروا بذلك، الا بعد ان طردهم من القوات المسلحة بسرعة في اليوم الاول والثاني، وهؤلاء الناس هم الذين كانوا في السجون وخرجوا في يوم الانقلاب. تصالحت مع الصادق المهدي وانت في الحكم، فلماذا لا تفعل الآن وأنت في المعارضة؟ - هذا غير ممكن، لأن الصادق اعطيت له فرص كثيرة جدا، وللاسف كانت كلها لتخريب السودان. هل صحيح انك تقوم بوساطة داخل الحزب الاتحادي بين الميرغني والهندي؟ -لا. قلت انك تريد تحالف الجيش ومايو فما هو موقع العسكريين الذين يطلقون على انفسهم "القيادة الشرعية"؟ - في القيادة الشرعية، انا لا أرى لهم اي موقع، ولا أعرف من أين أتت لهم هذه الشرعية. هل لديك اتصالات معهم؟ - لا. ألا تعتقد ان الوضع في السودان الآن تجاوز حالة الصراع السياسي المحتدم بين كل الاطراف؟ - الحل الوحيد في الاتفاق على طرد هؤلاء الذين يحكمون السودان الآن. وبعد ذلك لن يكون هناك تجاوز او رحمة او مصالحة مع الذين كانوا سببا في حدوث ذلك، انا اعرف ان كثيراً من المعارضين بقي خارجاً لأن مصالحه الشخصية وجدت خطورة من الحاكمين الآن. كل المعارضين السودانيين يقولون ان الحكومة الحالية زائلة لكن ها هي تحيا؟ - هل تعتقد انها تحيا الآن؟ أريد ان اسمع تفسيرك؟ - هذا الحكم مات وانتهى لكنهم يتمسكون بالمناصب، واذا كنت موجودا في السودان الآن لقلت لهذا الحكم مع السلامة. من الافضل لهم ان يغادروا، لماذا يقعدون وهم غير مقبولين داخل السودان وخارجه؟ هل تتصور وسيلة لمعارضي الحكومة الحالية غير الانقلاب العسكري؟ - الحكم الحالي اقوى واوعى من ناحية الانقلاب العسكري، لكن الانقلاب سيأتي جماهيريا، مدنيا، عسكريا. وما نقوم به اليوم مع الضغط الذي نمارسه على هذه الحكومة هو الذي سيساعد على رحيلها، نعمل الآن في اشياء جديدة وقمنا بحملة في اوساط المغتربين السودانيين كي لا يرسلوا أموالهم الى السودان. هل يعتمد نميري على العمل العسكري - المدني في عودته؟ - نعم. اتصالات مع قرنق اذا كنت تريد العودة هل لديك حل لانهاء الحرب في جنوب السودان؟ - لدينا خبرة جيدة جدا وسبق ان وضعنا اساسا للحل. مطالب جون قرنق وحركته، تتعدى كثيرا اتفاقية اديس ابابا؟ - اتفاقية اديس ابابا كانت ضعيفة ومن الممكن الاتفاق على اشياء كثيرة. المهم ان نبعد مسألة الانفصال، وكل شيء بعد ذلك سهل. يقول قرنق انه لا يريد انفصالا انما تغييرات هيكلية في السودان؟ - معلوم، وكمواطن من حقه ان يقول ذلك، المهم ان يجلس الناس ويتفقوا. لديك اتصالات معه؟ - نعم وتوجد اتصالات مع كل المعارضة وكثيرون طلبوا تدخلي وابلغتهم ان شروطي لن يستطيعوا قبولها. ما هي هذه شروطك؟ - الذين يتاجرون بالسياسة يجب ان يظلوا بعيداً. من خلال اتصالاتك مع قرنق، هل توصلتم الى تصور مشترك لانهاء الحرب؟ - هي اتصالات غير مباشرة، وحتى الآن لم يتبلور منها شيء بعد، لكن كلنا نتفق على ان الوضع الحالي في السودان سيء، اهم شيء إزالة هذا الوضع وبقية الاشياء تفاصيل سهلة. كيف تتصور ان بامكانك علاج المشاكل السودانية وانت بعيد طوال كل هذه الفترة عن البلاد؟ - امكانات السودان عظيمة وعلاج الانهيار الاقتصادي فيه اسهل علاج في العالم حتى الآن. معروف ان السودانيين لايحبون العيش على كماليات الخارج ويمكنهم الحياة سنوات على لقمة الخبز. لدينا تجربة في التصنيع المحلي في السودان، وبعض الصناعات التي انشأتها كانت تكفينا. الحاكمون الآن يصرفون ملايين لا داعي لها على الامن وحده، كما ان البلاد تعيش في عزلة كبيرة. انا بعلاقاتي وبإعادة ثقة الاخوان، في السودان، بالذات الدول العربية، استطيع تدبير مبلغ خاص يكون سنويا، لمساعدتنا في ما نريده، ممكن اطلب من الجامعة العربية، ولنا صداقات كثيرة فيها، تشكيل لجنة صغيرة تساعد السودان في العودة الى مكانته، كذلك مع السوق الاوروبية واميركا. في خلال عامين يمكن ان يرجع كل شيء الى طبيعته. لدينا سوق اخرى مع باكستان والهند واليابان والكوريتين وتايوان واندونيسيا وسنغافورة، كل هذه البلدان يمكن التعامل معها باتفاقيات تبادل او خلافه، يوجد انتاج مواد خام زراعية ومعدنية يمكن ان يغطي الكثير. انا عملت مشروعين كبيرين هما قناة جونجلي والتنقيب عن النفط، باستطاعتي ان اعيد الشركة الاميركية التي طردت الى العمل في التنقيب من جديد، لي معها علاقات جيدة جدا، ستأتي وستحفر. كانت هذه الشركة تصرف في اعمال الحفر 5،3 مليون دولار، وقد لا تجد شيئا وكانت راضية لأنها متأكدة من وجود النفط بكميات كبيرة. ولحسن الحظ لدينا استثمار بشري كبير في العالم العربي ننافس فيه مصر، بمعاملة خاصة مع هؤلاء يمكن ايراد دخل غير عادي للسودان في حدود 2 او 3 مليارات دولار في السنة. ايضا الاستثمار العربي عموما والقطاع الخاص. مصر الآن اوقفت استيرادها من السودان، لكن عندما اكون انا في الخرطوم ستأتي. مصر هي البلد الوحيد في العالم الذي يأكل حب البطيخ السوداني حوالي 30 مليون، هذا الانتاج كله راكد داخل الاجولة في السودان الآن. مصر سوق كبير جدا بالنسبة الى السودان والحكومة السودانية الحالية اغلقته كما حاولت فتح اسواق في عدد من البلاد العربية ولم تفلح، وباستطاعتنا اعادة فتح هذه الاسواق. ولا تغفل ان الاسراع بايقاف الحرب بالجنوب يزيح عن كاهل السودان الكثير، وبامكاننا حل هذه المشكلة بسرعة شديدة.