حافظت الأديان على مكانتها كمصدر للأخلاق والقيم في جميع الأمم والحضارات، ونحن لم نكن استثناءً من ذلك، فقد كان الإسلام وما يزال مرشداً أخلاقياً عظيماً بتعاليمه التي جاءت لتؤكد على الخير والسلام والعطاء والتسامح وسائر الفضائل. لكن المثير للدهشة حقاً هو أنه في الوقت الذي يدرس فيه الطالب في مدارسنا ما يقارب 5 مناهج دينية فإننا نشهد تنامي ظواهر كالعنف والتنمر والتطرف الفكري والعنصرية والممارسات الشاذة. ما يدفعنا للتساؤل عن مدى فعالية مناهجنا الدينية في تأصيل القيم ورفع مستوى الأخلاق وخلق التوازن الفكري والروحاني لدى المتعلمين.. الواقع الملموس أنها تكاد تقترب من الصفر بالنظر إلى مخرجاتها. وهذا أمر جلل يحتاج لدراسة مستفيضة تأخذ بعين الاعتبار تلك اللحظة التاريخية التي أُسس فيها لوضع المناهج الدينية قبل 4 عقود خلت. كما تأخذ بعين اعتبارها الأهداف ذات العلاقة التي احتوتها وثيقة سياسة التعليم مع ضرورة تحليل وتفنيد الألفاظ الواردة فيها. وهنا أود أن أشير إلى أن لفظ (الشخصية الإسلامية) كما ورد في وثيقة سياسة التعليم يحمل معنى مختلفاً عن لفظ (الشخصية المسلمة)، كما أن مسمى (الأمة الإسلامية) الوارد في ذات الوثيقة يشير إلى معنى سياسي، وإجمالاً فإن أدبيات الإسلام السياسي تكررت في معظم فقرات الوثيقة وترجم ذلك إلى مقررات لا تخلو من توجهات سياسية يلزم منها أن يدرس الطالب في الصف الأول المتوسط درس الجنائز وفي الصف الثالث المتوسط درس الجهاد. وهذا على سبيل المثال لا الحصر. نحن لا نحاكم مرحلة انتهت من تاريخنا لكنه واجبنا الوطني أن نبذل قصارى جهدنا في إزالة آثارها من حياة أبنائنا ومستقبلهم. وحيث إن وزارة التعليم تعتزم إعادة النظر في مناهجها وهذا توجه عظيم، فإنني أميل إلى فكرة تقليل المحتوى العقائدي والفقهي في المناهج الدينية في مراحل التعليم العام والاكتفاء بالأساسيات. مع إعطاء مساحة أكبر للأخلاق والمعاملات والقيم الإنسانية. فالدين المعاملة، تعني بالضرورة أن الدين الحقيقي هو ما يظهره الفرد من سلوكيات رفيعة ونزاهة وانضباط. إنه من المؤسف أن مناهجنا الدينية مليئة بالموضوعات التي تعد تراثاً فكرياً تراكم عبر 14 قرناً تفصل بيننا وبين الإسلام كما نزل واكتمل. فنجد التوسع في موضوعات كالسحر والحسد والقبور وغيرها من أمور ظرفية لا وجود لها في الحياة المدنية التي يتعامل الطالب يومياً مع مواقفها ومتطلباتها. وكأن ثمة فجوة بين احتياجات الطلاب وتساؤلاتهم وما يتلقونه من تعاليم. كما أن المناهج القديمة ساهمت بشكل كبير في خلق شخصية نمطية درامية غارقة في معطيات التاريخ، فهي تشعر بالعزلة والاستهداف ولا تقيم وزناً للقيم المشتركة بين البشر، إذ إنها في الأساس لا تعترف بالبشرية أصلاً جامعاً. وهذه أفكار لا بد من تغييرها إن أردنا بناء شخصية مسلمة متصالحة مع الحياة. إن إعادة النظر في المناهج الدينية هي ضرورة حتمية. وإذ نتحدث عن المنهج فنحن نعني بذلك المقرر والطريقة وهذا يحتم علينا إعادة تأهيل المعلمين وتزويدهم بأفكار أكثر انفتاحاً وانسجاماً مع طبيعة المرحلة وحاجات المتعلمين. أعلم أن الأمر يحتاج لجهد كبير ولكنني أثق بأن لدينا من الوعي ما يكفي لإدراك أن الدين هو أصل وجودي يتمحور حوله انتماء الإنسان، فلا يصح تدريسه بمعزل عن عاطفة المتعلمين ونمط حياتهم، كما أن واقع الانفتاح المعرفي وثورة المعلومات التي تتسم بها الحياة المعاصرة لأبنائنا تتطلب أن تقدم مؤسساتنا التعليمية مناهج دينية ذات عمق أخلاقي وإنساني بعيد عن الجدليات الفكرية والصراعات السياسية.