سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كتاب "إصلاح التعليم" : فقدان الهوية جاء في ظل تأزم ثقافي عام بين تيارات "تدعي الأصالة" وأخرى "تنادي بالحداثة" . وثيقة التعليم تعبر عن أمة "خائفة"... ولا حل إلا بمواجهة ثقافة التشكيك والخوف من التغيير 1من2
في ظل تأزم ثقافي عام للساحة الفكرية بين تيارات"تدعي الأصالة"وأخرى"تنادي بالحداثة"والتخلص من قيود تراثية وهمية تقوم بنقد قاس"لما يسمّى بالثوابت الدينية"... ومع غياب قنوات الحوار التي يمكن من خلالها كسر حدة الخلاف أصبح النظام التعليمي أحد ميادين الصراع على النفوذ بدلاً من أن يكون أحد ميادين الحوار! قد يكون كتاب"إصلاح التعليم في السعودية"، - بخلاف المقالات والأوراق والشفهيات التي طرحت من قبل حول الموضوع - هو أكثر الأغلفة التي تناولت هذا الموضوع"إصلاح التعليم"إثارة وإلفاتاً للنظر"خصوصاً وأن مطالب مؤلفه الدكتور أحمد العيسى بلغت مستواها الخطابي الأعلى، متمثلة في التصريح المباشر بضرورة إلغاء وثيقة التعليم الحالية، ووضع وثيقة بديلة لها، والتأكيد في الوقت نفسه على عجز الإدارة التعليمية عن الانتقال إلى طور الإصلاح الحقيقي بدلاً من طور زيادة عدد الدارسين والحاصلين على الشهادة، والمطالبة بتبديل الرؤية تجاه صيغة التعليم التي اشتملت عليها وثيقة التعليم، للحدّ من أثر الثقافة الإسلامية المحلية وتوجساتها من التعليم سواء في موقفها من وظيفة العلوم التجريبية والتطبيقية، أو من جهة موقفها المعادي - بحسب المؤلف - للمدارس الأجنبية وانضمامها إلى عائلة التعليم في المملكة العربية السعودية. ولا يتردد العيسى في كتابه"إصلاح التعليم في السعودية"في الجهر بأن النظام التعليمي في السعودية"وفّر بيئة مساندة للتطرف"، وأنه"المتهم الرئيس في إنتاج ظاهرة التطرف والعنف الذي يرتكب باسم الجهاد"، واستشهد على ذلك بما أسفرت عنه الأحداث الإرهابية التي ضربت قلب الوطن وأطرافه، وفي بلدان أخرى من شباب سعوديين معظمهم ممن تأثروا بفكر القاعدة والتنظيمات الدينية الحركية الجهادية. وجاء في ثنايا الكتاب:"انه بالرغم من تعدد عوامل ظاهرة الإرهاب إلا أنه"لا يمكن أن نبرّئ النظام التعليمي بمؤسساته وبرامجه ودروسه ومناهجه وأنشطته الصفية واللاصفية كل التبرئة تماماً، من توفير بيئة مساندة لأفكار التطرف من خلال بعض الأنشطة اللاصفية والبرامج الخفية". كما انتقد العيسى اتهام الثقافة الدينية للإصلاح التعليمي بأنه"مطروح من قوى سياسية خارجية". وأنحى باللائمة على الموقف السلبي من إنشاء المدارس العالمية في السعودية، واعتباره امتداداً للمدارس التبشيرية النصرانية في فترة استعمار الدول العربية، وضرب لذلك مثالاً بكتاب عضو هيئة كبار العلماء المتوفى بكر أبو زيد، الذي اعتبر المدارس العالمية أجنبية استعمارية. يصف مدير جامعة اليمامة الدكتور أحمد العيسى كتابه بأنه ليس كتاباً علمياً توثيقياً للنظام التعليمي في المملكة العربية، كما أنه لا يقوم برصد علمي توثيقي لمشاريع إصلاح أو تطوير التعليم. لكنه يلفت إلى أنه قراءة نقدية لأسباب إخفاق النظام التعليمي في المملكة، دون أن يوضح ما إذا كانت هذه القراءة النقدية يمكن تقديمها على أسس غير علمية كما يشير إليه إقراره في الفقرة السابقة. وفي إهداء الكتاب يستشهد بعبارة الشاعر الإنكليزي وليم بتلر ييتس القائلة إن"التعليم ليس مشروعاً لملء جردل، وإنما لإشعال حريق". ويركز من البدء على أن الإصلاح التعليمي في السعودية يعاني من ثلاثة أحجار كالأثافي في الذاكرة العربية القديمة، وهذه الأثافي الثلاث هي غياب الرؤية السياسية، وتوجس الثقافة الدينية، وعجز الإدارة التربوية. الكتاب"بحسب المؤلف"كتاب فكري ونقدي، كتبه بلغة عاطفية نابعة من القلب، صادقة في مباشرتها، تغلفها نظرة متشائمة تتصادم مع الواقع، ولكنها في الوقت نفسه تستند إلى العقل والوعي الشاملين، ولا تهتم بمعايير التاريخ أو الجغرافيا أو الأرقام أو ما له صلة بدقة الإحصاءات المسبقة. ويحمل في ثناياه كثيراً من البوح والشكوى والنقد الذي قد يبدو هدماً لما قد يعتبره البعض مقدساً ونهائياً وثابتاً غير قابل للتطوير، كما يلفت العيسى من خلال مقدمته إلى أن بعض الأفكار التي يحتويها عن التطوير قد يصلح بعضها"حتى للعقد الأخير من القرن ال21". وينطلق الكتاب من فكرة أن"ضعف النظام التعليمي في المملكة"هو مسلمة إجماعية، ولذلك فهو ينصح من يقرأه وهو لا يقرّ بهذه المسلمة بعدم قراءة الكتاب. لكنه يعود بعد ذلك في الفصل التالي ليقرر أن مسيرة التعليم في المملكة العربية السعودية قد حققت قفزات مهمة على صعيد الانتشار، بتوفير فرص التعليم لأفراد المجتمع جميعهم، في المدن الكبيرة وفي المحافظات والمراكز الصغيرة والقرى الريفية، وعلى المستويات كافة بدءاً من التعليم العام مروراً بالتعليم الفني والمهني، وصولاً إلى التعليم العالي، ووصل التعليم إلى مناطق المملكة، مدنها وقراها عامة، في الصحاري والسهول والجبال والشواطئ، وأصبح افتتاح مزيد من المدارس والمعاهد والكليات المتوسطة والجامعات حديثاً مكروراً في الصحافة ووسائل الإعلام. حتى إن ثلث السكان يتجهون كل صباح إلى مقاعد التعليم. ما أدى إلى محو الأمية بين السكان وانخفاضها من 60 إلى 12 في المئة. لكن العيسى يعود وينتقد انصباب الاهتمام على النمو والتوسع في فرص التعليم لأفراد المجتمع كافة، ويؤكد أن هذا الاهتمام بالانتشار الأفقي لم يواكبه تطور حقيقي في الفكر التربوي والتعليمي، معللاً ذلك بأن هوية النظام التعليمي وفلسفته الأساسية الداخلية تتشتت في اتجاهات عدة نتيجة لسنوات طويلة من التعديل والتطوير والتبديل. وتاهت فلسفة التربية في النظام التعليمي السعودي ولم تستطع إيجاد الصيغة السحرية للمواءمة بين قيم المجتمع وثقافته، وبين الانطلاقة للعالمية عبر الانفتاح الثقافي والعلمي والتكيف مع المتغيرات السريعة التي تحدث من حولنا واستيعابها، ومن ثم الانطلاق نحو الاندماج والمشاركة مع العالم في منافسة إيجابية وشريفة نحو التقدم الحضاري والعلمي والنمو الاقتصادي والاستقرار السياسي. فقدان الهوية ويحكي العيسى سيناريو فقدان الفكر التعليمي لهويته في المملكة، مصوراً أن فقدان الهوية إنما جاء في ظل تأزم ثقافي عام، للساحة الفكرية، بين تيارات"تدعي الأصالة"وأخرى"تنادي بالحداثة"والتخلص من قيود تراثية وهمية تقوم بنقد قاس"لما يسمى بالثوابت الدينية". ومع غياب قنوات الحوار التي يمكن من خلالها كسر حدة الخلاف أصبح النظام التعليمي أحد ميادين الصراع على النفوذ بدلاً من أن يكون أحد ميادين الحوار. ومع ذلك فإن العيسى يعود من هجومه القوي ليستدرك بأن مناهج التعليم والمقررات الدراسية نالت كثيراً من النقد وقليلاً من التحليل العقلاني الهادئ، منتقداً كثيراً من الملتزمين بصرامة النظام التعليمي في تركيزهم على دور الكتاب المدرسي وفرض تعليمه على الطلاب والمدرسين، ومعترضاً على تقديم المواضيع في المواد الدراسية باعتبار كل مادة علماً مستقلاً بذاته، وموضحاً كيف أن التعليم يهتم اهتماماً خاصاً بالعلوم الشرعية واللغة العربية على حساب العلوم الطبيعية والرياضيات والعلوم الاجتماعية. واصفاً التعليم الديني بأنه المستحوذ على نصيب الأسد في أولويات النظام التعليمي السعودي، على رغم محاولات التطوير بإعطاء العلوم العقلية والأساسية بعض الأهمية. ويشدد العيسى في مؤلفه المثير على"طغيان تدريس المقررات الشرعية"واعتماده على الحفظ والتلقين والتكرار، والتركيز على العقيدة والفروض والتشريع والحلال والحرام بشكل قاطع، ما ينتج عنه"بنظر المؤلف"فقدان التأثير العميق في نفوس التلاميذ، من خلال غرس التربية الإيمانية التي يجب أن تؤثر في سلوكياتهم. ويرى العيسى أن التعليم الديني المتخصص لا يوفر للطالب فرص تغيير مساره المهني والوظيفي في المستقبل، وذلك لأن المعاهد ودور التحفيظ تقودهم إلى الكليات الشرعية والنظرية ولا تمنحهم فرصاً واسعة في الكليات العلمية الطبيعة والهندسية وكليات الحاسب الآلي والإدارة بسبب ضعف تأهيلهم في العلوم الطبيعية واللغات والرياضيات. ولا يبقى للمتخرجين من التخصصات الشرعية إلا ميدان التعليم ومجالات أخرى محدودة لا يمكنها استيعاب الأعداد الكبيرة من الملتحقين بالتعليم الديني المتخصص. ويتطرق الكتاب بعد ذلك في انتقالات سريعة إلى عدد من القضايا كتعليم المرأة، والتعليم الأهلي، والمدارس الأهلية، متجهاً بعد ذلك إلى محور العلاقة بين المدن الاقتصادية والتعليم، متوصلاً إلى النتيجة التي قررها الكتاب في بدايته وهي: أن النظام التعليمي في المملكة العربية السعودية فشل فشلاً واضحاً على المستوى النوعي، وبالتحديد على مستوى كفاءة المخرجات التعليمية في المستويات كافة، بل إن البعض يرون تأخرها عاماً بعد عام وتزداد الفجوة تباعاً في قدرة هذا النظام على مواجهة تحديات العصر وإنتاج أجيال متمكنة ومنتجة. مستشهداً على ضعف المستوى العلمي بعدد من الإحصاءات التي توصلت إلى أن المتخرجين من التعليم السعودي يفتقدون الكثير من المعارف والمهارات التي تمثل الحد الأدنى لمتطلبات العمل، وأن مخرجات التعليم العالي ضعيفة في المهارات الأساسية العلمية والسلوكية، وأن الجامعة لا تستطيع تحقيق تغير كبير في مستويات الطلاب العلمية. وحول علاقة نظام التعليم بالتخلف الفكري والثقافي والسلوكي يرى المؤلف أن عدم قدرة نظام التعليم على إحداث التأثير الإيجابي في عقول الشباب أدى إلى سهولة اختطافهم من بؤر الانحراف والتطرف الفكري والسلوكي والجريمة والمخدرات والتصرفات غير الأخلاقية والفساد والرشوة وغيرها من الممارسات المرفوضة من المجتمع، وهي تتزايد يوماً بعد يوم في المدن السعودية. الحل المنشود في فصل آخر يتحدث العيسى عن مفهوم إصلاح التعليم، مقدماً له بأنه قضية ليست ثانوية على المستوى الدولي، وأنها الحل المنشود لمشكلات التنمية والنهضة، ومشكلات الفقر والبطالة وضعف النمو الاقتصادي، منوهاً بالمبادرات الدولية، كمبادرة أميركا في منافسة الاتحاد السوفياتي في علوم الفضاء. ومستدركاً في الوقت نفسه بأن أميركا اعتبرت أن محاولة فرض نظام تعليمي على الولاياتالمتحدة يعد عملاً حربياً. منتقلاً بعد ذلك إلى النموذج البريطاني معدداً من خلاله المبادئ التي انطلق منها تطوير التعليم في بريطانيا، ومنه إلى النموذج الماليزي الدولة الإسلامية التي عاشت طفرة اقتصادية وتنمية بشرية لنقل الدولة من بلاد متخلفة اقتصادياً وعلمياً إلى دولة متقدمة قبل عام 2020. وإلى سنغافورة، الدولة التي أصبحت تمثل نموذجاً لسرعة التغيير وتطور التنمية البشرية والنواحي العلمية والتكنولوجية الدقيقة ما أسهم في تحولها الاقتصادي في عقودات الثمانينات والتسعينات. عائداً بعد ذلك إلى المقارنة بين تلك التجارب وتجربة محاولة إصلاح التعليم في السعودية، مستشهداً بالاتفاق الإجماعي على عجز النظام التعليمي، العجز الذي لا تتبعه نقاشات جادة ولا تحديد لأسباب تعثر مشاريع الإصلاح، مع وقوف الجهات المسؤولة عن التعليم مكتوفة الأيدي من دون إطلاق نظام تعليمي قادر على إحداث النهضة الحقيقية في مناحي الحياة ومستوياتها المختلفة. يصل المؤلف بعد ذلك إلى لب الكتاب، وهو التعليل لفشل الإصلاح التعليمي، ممثلاً في غياب الرؤية السياسية والإرادة الحاسمة، وغياب السياسة الجديدة للتعليم، وتوجس الثقافة الدينية من مشاريع إصلاح التعليم، وموقف المتدينين من مناهج التدريس الحديثة، واتهام الثقافة الدينية لإصلاح التعليم بأنه هدف سياسي لقوى خارجية. وعجز الإدارة المركزية عن تغيير بيروقراطية الإصلاح. لافتاً إلى أن القيادة السياسية تحاول من خلال ما يصلها من خطط وبرامج دعم خطط التطوير ومعالجة مواطن الضعف والقصور في النظام التعليمي، لكنه يستدرك بأن هذه الرغبة وهذا الاهتمام لم يتحولا إلى رؤية استراتيجية واضحة حول ماهية النظام التعليمي المراد تطويره في السعودية في بدايات القرن ال21، لكي يتحمل مسؤولياته في إنتاج أجيال متعلمة ومثقفة، مؤكداً ذلك بما سبق الإشارة إليه من غياب السياس الجديدة للتعليم، مؤكداً على أنه منذ صدور وثيقة سياسة التعليم قبل 40 عاماً لم يحصل جديد، لأن تلك الوثيقة تجاوزها الزمن فعلياً، لأنها صدرت في زمن كانت تسود فيه عقيدة الستينات الميلادية، وحاولت ربط كل عنصر من عناصرها بمناهج علمية تسميها إسلامية، لكنها غير موجودة على أرض الواقع وتقف في وجه الاستفادة من علوم العصر وتقنياته وتجارب الشعوب والانفتاح الثقافي والفكري. وواصل العيسى انتقاد الوثيقة الرسمية الأولى للتعليم، التي يرى أنها لم تتغير بعد لكونها ربطت تعليم العلوم الاجتماعية بوجهة النظر الإسلامية، وأوصت بتزويد الطالب بالقدر المناسب من المعلومات الثقافية، وحصرت أهداف البحث العلمي بتطويع العلوم لخدمة الفكرة الإسلامية، وأقحمت التعليم في قضايا سياسية كلية كالتضامن الإسلامي والتأكيد على فريضة الجهاد وإيقاظه في نفوس المتعلمين. الأمر الذي استنتج منه العيسى أن الوثيقة تعبر عن سياسة أمة خائفة على دينها وتراثها وقيمها، ما جعلها تكبل النظام التعليمي برؤية سياسية ايديولوجية أحادية. وانتقد العيسى اتهام ما وصفه بالثقافة الدينية للإصلاح التعليمي بأنه مطروح من قوى سياسية خارجية. وأنحى باللائمة على الموقف السلبي من إنشاء المدارس العالمية، واعتباره امتداداً للمدارس التبشيرية النصرانية في فترة استعمار الدول العربية، وضرب لذلك مثالاً بكتاب عضو هيئة كبار العلماء المتوفى بكر أبو زيد، الذي اعتبر المدارس العالمية الأجنبية استعمارية، وسماها بالبيت المظلم، واعتبر أنها تحل في البلاد أعظم ضربة توجه إليها، بصفتها قاصمة للظهر. قيادة الناس على قاعدة العاطفة والتهويل لم تعد ممكنة اقترح الكاتب إقامة فلسفة تربوية جديدة للنظام التعليمي السعودي، ودعا إلى تخفيض طغيان الفلسفة المثالية في النظام التعليمي، وتعزيز الفلسفة البراغماتية، منتقداً الفلسفة المثالية التي تعنى بالمطلق وتربية المتعلم على القيم والمثل العليا والآداب العامة، وممتدحاً الفلسفة البراغماتية باهتمامها بالتجريب والتطبيق، وعدم الاقتناع بالتفكير إلا بعد تجريبه واختباره. كما اقترح اعتماد فلسفة تقوم على التوازن بين التربية الإيمانية والأخلاقية والنفسية العميقة، واكتساب المهارات العقلية والسلوكية التي تجعل الإنسان قادراً على الإنتاج والمنافسة في المستقبل. "ومن هذا المنطلق فلا بد من إطلاق وثيقة جديدة لسياسة التعليم، باعتبار الوثيقة القديمة لسياسة التعليم غير صالحة لأن الزمن تجاوزها ولم تعد تمثل الفكر السياسي في المملكة". ومع ذلك فالمؤلف يقر بأنه لا يحاول تقديم تصور جاهز للسياسة العامة للنظام التعليمي في المملكة، وإنما يثير قضايا حساسة يمكن أن تسهم في كسر الجمود الذي يصيب نقاشات المثقفين عند تناول قضايا تمس بما يسمى بالثوابت السياسية أو حتى الدينية والثقافية. مؤكداً على أن سياسة التعليم الجديدة في المملكة"يجب"أن ترتكز على عدد من الأسس التي تعكس القيم الثقافية الأصيلة التي يتبناها المجتمع، مع مراعاة المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على تلك القيم، في خلال عقود من التنمية والتحضر، ومع الاهتمام بالمستقبل واحتياجاته ومتطلباته العلمية والثقافية. واصفاً الإصلاح التعليمي بأنه ليس مستحيلاً أو عسير المنال، لأن الاهتمام بالتعليم يكاد يكون الشغل الشاغل للقيادة العليا وأفراد المجتمع بأسره. ولكنه يحتاج لقرارات جريئة وحاسمة من القيادة العليا لانتشاله من الحلول الوسط والعادية. مطالبا ما يسميه"المؤسسات الدينية المتسنيرة"أن تعمل على مواجهة ثقافة التشكيك والتوجس والخوف من التغيير والتطور، وأن تسهم في إعادة قراءة الواقع واحتياجات المستقبل، وأن تعرف أن هذا العصر هو عصر العقل بامتياز، إذ إن قيادة الناس على قاعدة العاطفة والتهويل من خطر الاندماج في العالم وخطر إطلاق ملكات النقد والتفكير في قضايا العلم والتاريخ والاجتماع لم تعد ممكنة. وعلى هذه المؤسسات الدينية أن تدرك أن وصول الإسلام إلى العالم لا يمكن أن يتم من خلال أمة متخلفة علمياً وحضارياً غير قادرة على المساهمة في تقدم المعارف والعلوم والتقنية. لأن المنهج القرآني الذي يدعو إلى التفكر والتدبر والتأمل والبحث هو الذي يجب أن يكون سائداً اليوم في المدارس والكليات، وذلك التدبر لا يبدأ إلا بزرع بذرة الشك والنقد لما هو سائد والاختلاف في وجهات النظر والقبول بالحجة والتسامح في النتائج وبغير ذلك"بحسب المؤلف"لن يكون للتفكير والتأمل والدراسة والبحث من حاجة، إذا كان لا بد أن يصل بالإنسان إلى النتائج المقررة سلفاً، تلك التي تضمنتها كتب السلف من علماء الشريعة وفقهاء الأمة. من كتاب اصلاح التعليم في السعودية ... التعليم الديني الاهتمام بالعلوم الدينية في نظام التعليم الرسمي يؤكد على حقيقة استحواذ هذه العلوم على نصيب الأسد في أولويات النظام التعليمي السعودي، على رغم محاولات التطوير بإعطاء العلوم العقلية والأساسية بعض الأهمية، بحيث تجعل مخرجات التعليم قادرة على اكتساب التوازن بين علوم الدين وعلوم الدنيا التي تشكل وسيلة مهمة للرقي الحضاري والتنمية والازدهار الاقتصادي والنهضة الاجتماعية. وإضافة إلى طغيان تدريس المقررات الشرعية في مراحل التعليم العام كافة، فإن صياغة مناهج تلك المقررات قد جاءت من خلال الاحتفاظ بالسياق العام لمفاهيم علماء السلف واستدلالاتهم، وليس بأساليب حديثة تجعل الطلاب أكثر فهماً لمدلولاتها، كما أن تدريس تلك المواد يعتمد بشكل كبير على الحفظ والتلقين والتكرار، والتركيز على الأحكام في العقيدة، والفروض والتشريع، وبيان الحلال والحرام بشكل قاطع، مما يفقد تلك المناهج التأثير العميق في نفوس التلاميذ من خلال غرس التربية الإيمانية لتؤثر في سلوكياتهم، وتهذب من أخلاقهم وتحسن من تعاملهم مع الآخرين. كما أن من سلبيات التعليم الديني المتخصص أنه لا يوفر للطالب فرص تغيير مساره المهني والوظيفي في المستقبل، فمدارس تحفيظ القرآن والمعاهد العلمية المتوسطة والثانوية تقود الطلبة إلى الكليات الشرعية والنظرية في الجامعات، بينما لا تمنحهم فرصاً واسعة في الكليات العلمية، الطبية والهندسية، وكليات الحاسب الآلي والإدارة، بسبب ضعف تأهيلهم في العلوم الطبيعية واللغات والرياضيات، ومعلوم أن قطاعات العمل الحديثة تتيح المجال لشغل الوظائف المرموقة لأصحاب التأهيل الجيد في التخصصات العلمية، بينما لا يبقى للمتخرجين من التخصصات الشرعية إلا ميدان التعليم ومجالات أخرى محدودة لا يمكنها استيعاب الأعداد الكبيرة من الملتحقين بالتعليم الديني المتخصص. تعليم المرأة بدأ تعليم المرأة قبل اكتمال مرحلة تأسيس المملكة العربية السعودية ولكن على نطاق ضيق في بعض المدارس الخاصة في مدن الحجاز وبعض قرى نجد والأحساء، ولكن التعليم النظامي الرسمي للبنات تأخر عن التعليم النظامي للبنين بأكثر من خمسة وثلاثين عاماً بسبب ثقافة دينية متشددة كانت سائدة في وسط الجزيرة العربية. لكن المعارضة المباشرة لتعليم البنات لم تستمر طويلاً، فقد حزم الملك سعود أمره وأصدر أمراً ملكياً بفتح عدد من مدارس تعليم البنات في المدن الرئيسة، ولقد بدأت بذلك مسيرة تعليم البنات رسمياً ابتداء من عام 1960. وعلى رغم أن ما يواجه تعليم البنات اليوم من عقبات ومشكلات وقصور هو ما يواجه تعليم البنين ? أيضاً ? إلا أن مشكلات تعليم البنات قد تزايدت في نواح معينة، نتيجة هيمنة الفكر الديني المتشدد على مؤسسات تعليم البنات لفترات طويلة، واستمرار احتكار الرجال لمعظم المراكز القيادية في تعليم البنات، حتى بعد أن أُلغيت الرئاسة العامة لتعليم البنات رسمياً وتم دمج تعليم البنات وتعليم البنين تحت مظلة وزارة التربية والتعليم في عام 2005، وعلى رغم هذا التقدم الاداري فإن مشاريع تطوير تعليم البنات لا تزال تصطدم بقائمة طويلة من الممنوعات والمحاذير والشكوك والهواجس، فقطاعا تعليم البنين وتعليم البنات لا يزالان منفصلين في الفكر التربوي والارتباط الإداري، مما يعني أن كثيراً من السياسات والقرارات يتم اعتمادها بصفة مستقلة، وفق فكرين ونظامين مختلفين، وهذا يحد من تكامل النظام التعليمي وتعزيز فرص المساواة، ويضيف كثيراً من الأعباء الوظيفية والإدارية إلى قطاع التعليم بصفة عامة. ومع ذلك فإن تعليم المرأة وبخاصة في التعليم العالي، قد خطا خطوات جيدة في سبيل تمكين المرأة من اقتحام تخصصات جديدة، لم تكن متاحة لها حتى وقت قريب، ومن ذلك إنشاء جامعة خاصة للبنات، بعد ضم الكليات التربوية التي كانت تشرف عليها الرئاسة العامة لتعليم البنات، وربطها بوزارة التعليم العالي، كما أن هناك قبولاً عاماً لمشاركة القياديات العاملات في قطاع التعليم في القضايا العامة المطروحة في المؤتمرات العامة ولقاءات الحوار الوطني، وفي ورش العمل والدورات المهنية، مما ساهم في صقل تجاربهن، ورفع مستوى الفكر والخبرة للمرأة العاملة، في المجالات والتخصصات التربوية بشكل خاص. المدارس الأجنبية يعيش في المملكة العربية السعودية اليوم أكثر من سبعة ملايين وافد من غير السعوديين ممن يعملون في المملكة ويقيمون فيها لفترات قد تطول أحياناً - إلى ما يشبه الإقامة الدائمة. إن نسبة كبيرة من هؤلاء المقيمين هي من العرب الذين ينخرط أبناؤهم في المدارس الحكومية والأهلية، ويتعلمون وفق المناهج التعليمية السعودية، كما أن هناك نسبة - أيضاً - من الجاليات الأجنبية المختلفة من المسلمين وغير المسلمين الذين يبحثون عن تعليم معقول لأبنائهم وفق مناهج التعليم في بلادهم أو مناهج عالمية تمكنهم من إكمال دراساتهم في بلدانهم إذا عادوا إليها. من هذا المنطلق انتشرت المدارس الأجنبية التي تسمى - أحياناً"المدارس العالمية"في المدن الكبرى التي تكثر فيها الجاليات الأجنبية فوصل عددها في عام 1417ه 1997 إلى 65 مدرسة، بعضها كان خاضعاً لإشراف مباشر من وزارة التربية والتعليم وبعضها الآخر كانت تديره الجاليات الأجنبية وتشرف عليها، ونتيجة لزيادة الحاجة إلى هذه المدارس وسرعة انتشارها قامت وزارة التربية والتعليم بمحاولة تنظيمها، فأعدت نظاماً أو لائحة للمدارس الأجنبية، صدرت بقرار مجلس الوزراء في عام 1418ه 1998، لقد أسهم هذا النظام في دخول مستثمرين سعوديين لإنشاء المدارس العالمية، امتداداً لاستثماراتهم في التعليم الأهلي، ولكن بخصائص ومناهج مختلفة ونظام مختلف ? أيضاً ? مما أدى إلى زيادة مطردة في عدد المدارس العالمية إلى أن وصل في العام الدراسي 2007-2008 إلى 228 مدرسة يدرس فيها 166.995 طالباً وطالبة، منهم 2351 طالباً سعودياً في إحصائية إدارة التعليم الأجنبي في وزارة التربية والتعليم هناك 69 مدرسة أجنبية تطبق المنهج البريطاني في التعليم و39 مدرسة تطبق المنهج الأميركي وتتوزع المدارس الأخرى على مناهج مختلفة منها الفرنسي والهندي والباكستاني والفيليبيني وغير ذلك. إن من أبرز خصائص المدارس الأجنبية التي أوضحتها اللائحة الجديدة إشراف وزارة التربية والتعليم على تلك المدارس، وعدم قبول الطلاب السعوديين إلا باستثناءات قليلة للطلبة الذين بدأوا دراستهم في الخارج، ولا يمكنهم مواصلة الدراسة باللغة العربية، وقد منحت اللائحة صلاحية استثناء القبول للسعوديين في المدارس العالمية لوزير التربية والتعليم نفسه، وذلك لضمان عدم التوسع في التحاق الطلاب السعوديين في نظام تعليم مختلف عن النظام التعليمي الرسمي. كما حددت اللائحة تشكيل مجلس إشراف على المدارس الأجنبية برئاسة وزير التربية والتعليم ومشاركة ممثلين لوزارتي الداخلية والخارجية، وقد منحت اللائحة المرونة الكافية لكل مدرسة بتقرير مناهجها، وتحديد مستواها في الأوساط التعليمية والأكاديمية المختلفة مع اشتراطها تدريس مواد لتعليم مبادئ اللغة العربية والحضارة الإسلامية وتاريخ المملكة وجغرافيتها بما لا يقل عن ساعة واحدة أسبوعياً. في هذا السياق، يمكننا القول بأن تجربة المدارس الأجنبية أو المدارس العالمية لا تزال محدودة، ولا يمكن الحكم على مستقبلها، لكن بعض تلك المدارس التي حرصت على تطبيق مناهج دولية معترف بها من الدول الأوروبية أو من الولاياتالمتحدة الأميركية قد بدأت تكتسب شهرة محلية، وذلك لكفاءة برامجها، وجودة معلميها ومناهجها، وخصوصاً أنها تُدرّس مقرراتها كافة باللغة الإنكليزية، وليست مقيدة بالمناهج التعليمية السعودية، مما أدى إلى تزايد عدد الطلاب السعوديين فيها عاماً بعد عام، نتيجة حرص بعض الأسر، ومحاولتهم المستمرة للحصول على استثناءات لإلحاق أبنائهم بها، مهما كابدته - نتيجة ذلك - من تكاليف مالية عالية، في سبيل استمرار دراستهم في تلك المدارس، حتى الانتهاء من المرحلة الثانوية.