تصور أن تكون هناك طريقة لمحاربة الفساد وتساهم بتطور ورفاه البشرية ولا تتطلب سوى التوقف عن نشر صفحة واحدة سنويا بمجلة أمريكية عالمية؟ هذه الطريقة هي، التوقف عن نشر قائمة بأثرى أثرياء العالم كل سنة، حيث باتت هذا الصفحة تمثل المركز الذي تتمحور حوله سلوكيات أثرياء العالم، لأنه بعد مستوى معين من الثراء لا تعود زيادة أرقام ثرواتهم تمثل سعادة متجددة، لكن صعود أسمائهم بمنافسات قائمة أثرى أثرياء العالم وصولا إلى قمتها والحفاظ على القمة يبقى يمنح «غرور الأنا» لديهم دفعة سعادة مستجدة كل سنة، لكن لو تم إلغاؤها فسيبحثون عن أسباب سعادة متجددة أكثر جوهرية، فماذا لو كانت هناك قائمة لأكثر الأثرياء تبرعا للأعمال الخيرية؟ وقائمة بأكثر من ساهم بجعل البشرية أفضل، وقائمة للشركات التي موظفوها أكثر سعادة ورفاهية، بينما من المعتاد حاليا أن نرى مقاطع يسجلها الذين يعملون من الفجر إلى المساء بشركات أثرى الأثرياء، ومع هذا بالكاد يعيشون حياة كفاف وبدون منافع وضمانات وظيفية كالتأمين الطبي حتى لإصابات العمل، مما يعني أن إصابة عمل ستجعلهم مشردين يعيشون بسياراتهم رغم أنهم على رأس عملهم ويبدأون مقاطعهم التي يصورون بها شقاء حالهم بعبارة «هكذا يعيش من يعمل لدى أثرى ثري بالعالم»، فللأسف الواقع يظهر أن تحقيق المراتب الأولى في قائمة أثرى الأثرياء يكون على حساب بقية البشرية كأصحاب الحقوق من العاملين لدى هؤلاء الأثرياء، حيث يتم تخفيض رواتبهم إلى الحد الأدنى وزيادة ساعات عملهم وحرمانهم من كل المنافع والضمانات الوظيفية العادلة ومن تجهيزات الأمان في العمل، وأيضا كما هو شائع لدينا حيث كبريات الشركات لا تسلم موظفيها وعمالها رواتبهم لأشهر وسنوات فيقومون بأعمال شغب، كما أن الأثرياء لرفع ترتيبهم بالقائمة يمارسون الغش التجاري والصناعي والعمراني، والنتيجة أبنية وجسور ومطارات ومدارس وجامعات تنهار على رؤوس الناس بعيد افتتاحها، بينما أبنية أثرية من آلاف ومئات السنين لاتزال قائمة، بالإضافة للتخلص من المخلفات الصناعية بتصريفها في المسطحات المائية كالبحار والأنهار أو الجوفية بدل معالجتها لتوفير المصاريف مما يؤدي لموت الحيوانات وانتشار السرطان وتشوهات المواليد، ومن الأضرار أيضا؛ التشجيع على التحايل، فبعد الانهيار الاقتصادي 2008 بأمريكا تبين أن رؤساء الشركات كانوا يزورون سجلاتهم لإعطاء أرقام أكبر للأرباح، والتشجيع على الفساد المالي والتهرب من الزكاة والضرائب، وكنز الأموال بدل التبرع لجهود الإغاثة وتنمية الفقراء، فللأسف صار رقم الثروة معيار احترام الأشخاص وليس مصدرها ومصرفها النافع. * كاتبة سعودية [email protected]