برحيل صامت، يغادر الرئيس السوداني عمر البشير الحياة السياسية، ليبقى السودان للمرة الأولى منذ 30 عاماً بلا البشير، «الرأس الثابت» برفاق متحركين، وليخرج منذ ذات البوابة التي دخل من خلالها الحياة السياسة، عقب قيادته لانقلاب يونيو 1989، بدعم من تنظيم الإخوان المسلمين في السودان. وما يميز خروجه عن دخوله للحياة السياسية هذه المرة، حراك شعبي ظل صامداً لأشهر، أشعل فتيله «ارتفاع أسعار الخبز» قبل أن يتسع ويتحول إلى دعوات لإسقاط النظام. وبدأت شراراة المظاهرات التي أطاحت بالبشير في عدة مدن إثر قرار حكومي يقضي برفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف، بعد شحّ في الأسواق لثلاثة أسابيع. وارتفع سقف المطالب لتصل إلى أعلاها (إسقاط النظام)، فيما سقط عشرات الضحايا إثر اشتباكات مع القوات الأمنية. وتجددت التظاهرات في 21 ديمسبر بمدينتي الخرطوم وأم درمان المتلاصقتين، ليخرج البشير بعدها بثلاثة أيام للمرة الأولى، واعداً ب"إصلاحات جدية". وشن البشير هجوماُ لاذعاً على «من يقومون بتخريب مؤسسات الدولة»، واصفهم ب«الخونة والعملاء والمرتزقة». ومع مطلع يناير الماضي، طالب نحو 20 حزبا سياسيا بتغيير النظام، وحاول البشير احتواء الأزمة المتفاقمة بتغييرات وزارية واسعة بدأت من عزل وزير الصحة بعد ارتفاع أسعار الأدوية. وخرج البشير في 14 يناير ليعلن أنّ الاحتجاجات لن تؤدي إلى تغيير النظام، في مشهد بدا أن الرجل الذي ظل حاكماً للسودان منذ ثلاثة عقود غير مدرك لتفاقم الأزمة. وفي 17 يناير، دعا أعضاء في مجلس الأمن الدولي الخرطوم إلى احترام الحق في التظاهر، بينما أدان النواب الأوروبيون ما وصفوه ب«القمع»، وخسرت عدة وسائل إعلام أجنبية اعتمادات كانت ممنوحة لمراسليها وصحافييها. وأعلن البشير حالة الطوارىء وأقال الحكومة في 22 فبراير الماضي، كما أدى رئيس الحكومة الجديد محمد طاهر أيلا اليمين الدستورية بعدها بيومين، ولم تفلح كل الاجراءات في تراجع التظاهرات المطالبة برحيل البشير. ولم يستسلم البشير من تجربة محاولة أخرى لامتصاص الغضب العارم في الشارع السوداني، إذ تنازل في مارس الماضي عن رئاسة حزب المؤتمر الوطني لصالح أحمد هارون. واحتشد آلاف المتظاهرين السودانيين خارج مقر القيادة العامة للجيش لليوم السادس على التوالي مطالبين البشير بالتنحي، بعدما أمرت الشرطة عناصرها بعدم التدخل لتفريقهم. وتدفق المتظاهرون إلى محيط المجمع الذي يضم وزارة الدفاع ومقر إقامة الرئيس خلال حيث غنوا ورقصوا على نغمات أغان ثورية، ما وصفته وكالات أنباء ب«أكبر تحد حتى الآن يواجه حكم البشير المستمر منذ ثلاثة عقود». وفي 8 من أبريل الجاري، طالب المحتجون بفتح «تواصل مباشر» مع الجيش من أجل «تيسير عملية الانتقال السلمي للسلطة»، وأعلن قبلها بيومين وزير الداخلية توقيف 2496 مواطنا من المتظاهرين، كاشفاً عن سقوط سبعة متظاهرين في ذلك التاريخ. وأكد وزير الدفاع أن الجيش لن يترك البلاد تغرق في "الفوضى". ودعا الأمين العام للأمم المتحدة كل الأطراف الى تجنب العنف. وفي ال 9 من أبريل أطلقت القوات الأمنية الغاز المسيل للدموع لتفريق آلاف المعتصمين قرب مقر القيادة العامة للجيش، وقال شهود إن الجيش أطلق عيارات في الهواء لإبعاد القوى الأمنية. وفي اليوم نفسه، أمرت الشرطة قواتها ب«عدم التعرض للمدنيين والتجمعات السلمية»، وأشارت الى أهمية «التوافق على انتقال سلمي للسلطة». وفي اليوم السادس للاعتصام أمام مقر قيادة القوات المسلحة، أعلنت هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسميّة السودانيّة الخميس أنّ القوّات المسلّحة السودانيّة ستُصدر «بياناً هامّاً»، ما أثار حماسة وهتافات فرح بين المعتصمين. ليأتي بيان الجيش السوداني الذي تباينت حوله الأراء بين مؤيد ومعارض يطالب باستمرار المظاهرات.