اختلف الرواة في الجهة التي قدم منها، لكنه أثبت وجوده بالمرجلة، والحرص على بياض الوجه، وإذا سأله أحد عن نسبه يرد بلثغة محببة «ليس الفتى من قال كان أبي، إن الفتى من قال هذا أنا» وبحكم عشقه للفن كان يصنع الدفوف والزيرة للعرضة، في حين يرقص بخفّة ريشة وتمايل حمامة، وعيون صقر، خصوصاً إذا تيقن أن النساء يخيّلن فوق سطوح البيوت. سكن في سافلة العريفة، وضاقت به الوحدة، وفي ليلة رجبية استقبل (قريب) القبلة، ورفع يديه إلى السماء، مبتهلاً بقلب مخلص، أن يطعمه ولا يحرمه، فقادته الخطوة إلى منزل «حسيب» رحّب وسهّل وجاءت (زينة) بالقهوة، فانتفض قلبه، وارتعشت أطرافه، وانكتب النصيب، وما يتزوج اثنان في الأرض حتى يزوجهما الله في السماء، كانت ليلة فائرة بالحب والبهجة، والنصيب يا (قريب) غصيب، وبحكم أن (قريب) هارب من ثأر كان دائم التلفت مخافة الانتقام. الشاعر معه جنيّة تعلمه بالخبايا فبدع «الله يا كبر حظك قريب، من كبر حظه نزل بيت الحسيب، والتقط النيمس اللي ما تخيب، إن كان ف الشام وإلا في يمن». القرية بكاملها تقدره وتجله، لأنه أحرش. يعمل دون كلل ولا شكوى، وما دام كل شيء بحسابه فالعمل على خاطره مثل العسل. يفري قِرب الماء، ويصنع عك السمن، ويدبغ شكوة اللبن، ويحنّك الحمير، ويجز أصواف الغنم، ثم يجمعها وينفشها ويحيلها خيوطاً لنسج الأكسية والجباب ثم يصبغها بألوان ويبيعها داخل القرية وخارجها. لم تكمل تسعة شهور حتى ولدت (فرج الله) اختار له الاسم لأن ولادته تعسرت خرجت رجوله ونشب رأسه ولولا فرج الله لخنّقت أمه عليه. نما الطفل سريعاً ولتعلق والده به رفض أن يلحقه بكُتّاب الفقيه، وكان يقول له الرزق يا (فرج الله) وأنا أبوك في الحركة ما هي في درس مرس، تربى على المرجلة وحب العمل وكل ما طلبه أحد قال: أبشر بي. كان يتولى غسل أغنام الرعاة، بمفرده، يسحبها واحدة واحدة، ويردد «إذا طليت الضأن فاطل روسها، أحمر العينين لا يدوسها». وكلما نادى عليه منادٍ (يا فرج الله) يرد عليه «قريب، وأقرب من داعي لمجيب». علمي وسلامتكم.