أشرت في مقال سابق إلى مدى مساهمة الائتمان المصرفي في رفد وتعزيز الاقتصاد الوطني، وذكرت بأنه يعاني من إشكاليتين بنيويتين؛ الأولى تتعلق بعدم توازن برامج الإقراض حيث تنخفض مساهمته في القطاع العقاري مثلاً من حيث يجب أن ترتفع، فيما ترتفع نسبته في القروض الاستهلاكية من حيث يفترض أن تنخفض. وبصرف النظر عن الأسباب والمكونات التي أفضت إلى تكريس هذه النسب المتضاربة ومن بينها التشريعات المتعلقة بالرهن والضمانات، إلاّ أن الإشكالية الثانية والأهم تكمن في حجم الائتمان المصرفي ككل إذا ما قيس باقتصاد المملكة أو الاقتصاديات المشابهة من حيث الحجم أو القوة، ففي محيطنا الأقليمي نجد أن بنوك الإمارات مثلاً تقدم 78% الناتج المحلي كائتمان مصرفي، وترتفع هذه النسبة في الكويت إلى 99%. ولو أردت تطبيق هذه المسطرة على مصارفنا، فإن كل الودائع الموجودة لا تكفي أصلاً لتحقيق هذه النسب، فالناتج المحلي يتجاوز 2.6 تريليون فيما لا تتجاوز قيمة الودائع 1.64 تريليون منها 19% حكومية، إذا علمنا بأن حصة الأعمال التجارية والأفراد لا تزيد على 78.7% من هذه الودائع، خلاف أن كل إجمالي موجودات المصارف يدور حول 2.3 تريليون ريال، فنحن إذن لا نتحدث عن اختلال في توزيع القروض فقط، ولكن في الكتلة الكلية المتاحة للائتمان المصرفي التي تعتبر متدنية بالمقارنة مع حجم الاقتصاد الوطني، وبالتالي لا يمكن تحقيق معدلات الخليج في نسب الإقراض، فما بالك ونحن نتحدث عن الإقراض الدولي الذي تصل نسبته لدى البلدان متوسطة الدخل -ولا أقول العالية منها- إلى 98% وهذا ما يزيد عن نظيره في المملكة ب44% تقريباً، فعلينا بحث هذه الإشكاليات الكامنة في بنية قطاعنا المصرفي، وما يترتب عليها من مواطن ضعف ورخاوة في قطاعات أخرى حيوية، وإيجاد الحلول الحقيقية اللازمة لها ليقوم هذا القطاع بالحد الأدنى من الدور المطلوب، وسد الفجوة الائتمانية المترتبة عليه، بعيداً عن مقولة إننا رابع أو خامس أقوى قطاع مصرفي في العالم.