أصبح (داحش)، حديث القرية، ومحط أنظار الجميع، مخلص في عمله، وخلوق، وإن لم يسلم من السخرية، خصوصاً من حذائه المؤلف من قطعة جلد وسيور تمرر بين أصبعي الرجل الإبهام والسبابة، وتشد إلى الخلف وتثبت وراء الكعب، ألفنه الصبايا في المرعى، وكن يمازحنه، ويرددن «يا تهامي بتهمتك» وأحياناً تصل إلى القسوة، كأن يدفعنه في الغدير فتتبلل ملابسه، ثم يحلفن ليجففنها، ويشعلن بعض الأغصان اليابسة، ويطلبن منه أن يتبازى على النار، فيستغلين غفلته ويلذعنه بعيدان مجمرة في قدمه، وعندما يبكي يشفقن عليه، ويتوددن له، فيما تشنع غالية بنت العريفة عليهن، وتحوق السليلة في وجوههن مرددة «سهباء، سهباء» وتتوعدهن بنقل عبثهن إلى أمهاتهن. يعود داحش بأغنامه، وعمامته غرقة، ويروي لعمته ما لحقه من أذى البنات، فتعلّق «هايمات لا تشره عليهن»، وتضيف «انته كما قال المقوّل: دُفّني فاني أبغي الدَّف، والبسّ يحبّ خنّاقه» وعندما تعده بأن تذهب غداً لأمهاتهن وتكشف لهن ما ألحقنه به، يهدأ ويقول خلاص سامحتهن تالمرّة، ويضيف «غالية ما قصرت يا عمة حاقت في وجوههن سليلة». تعافى الراعي. كون عمته تخصه بفتة السمن والعسل. ودبّت فيه الحياة، فانتبه لمباهج الدنيا، وخفق قلبه بالعاطفة، وكشف للعمة عما يجيش في صدره، قالت «يا شرهة الشرهتاه، ما لقيت تحط عينك إلا على بنت العريفة. والله لو يلقط خبر ليغديك جربة»، فردّ ببرود: يلقط وإلا ما يلقط، أحب غالية وغالية تحبني، فوضعت كفها على فمه، واستحلفته بالله أن لا يكمل، وقالت: يا أهبل أنت مقطوع من شجرة، وكلن يلمح لنفسه من قيسها، والله يا العريفة ليذبحك. أسرّت لزوجة العريفة بما بلغها، وقالت: دخيلك انتبهي لبنتك، فتلبّس القلق أم غالية. وذات يوم عبر الراعي من قدام بيت العريفة، فحمّرت عينها، وفكت غرزة الثوب، ونزلت له في المسراب، ولزمت بشحمة أذنه، وقالت: «والله لن زدت شفتك تعدي من قدام الباب لأخلّي العريفة يقطع عرقوبك». فزّ العريفة بعد صلاة الجمعة، وقال: «يا جماعتي حياكم الله، بعد مغرب الاثنين، أنتم وعوّلكم، زوّجنا غالية». علمي وسلامتكم.