نظر صاحب سيارة الأجرة من المرآة، للسيدة الشقراء التي تكفكف دموعها. سألها بلهجة متململة: إلى أين؟ أجابته بصوتها المختنق: إلى جسر النهر.. وراحت تنكش حقيبتها وتخرج أوراقًا ونقودًا ثم تعيدها بحزن وأسى، وتقبل صورةً لوالدتها وطفلتها؛ مُعَلَّقةً على عقدها الفضي البيضاوي الذي يتدلى في ارتباك، توقفت السيارة، خرجت السيدة مسرعة، خلعت حذاءها الأحمر ووقفت على حافة الجسر بتنورتها البيضاء الواسعة متوسطة الطول، يلعب بها هواءُ المدينة الباردة، قميصها أحمر من الحرير المزخرف بذات اللون، وشعرها مُنْكبٌّ على كتفيْها كحُلم ذهبي سارح في ظلام عابر، فردت ذراعيها وبعدما تمتمت ببعض الكلمات وهي تنظر لعمق النهر، هوت أفكارها واستقرت ببطء كعملات معدنية تحمل في وجهيها الأمنيات، جلست لبرهة واستدارت وسط أنظار من كان يراقبها بخوف، أخذت نفسًا عميقًا وكأنها تجرّب التنفس لأول مرة، قفزت على الرصيف بخفة ومشت بخطوات مترنحة، في انتشاءة من ربح اليانصيب، عادت إلى السيارة وأغلقت الباب بهدوء.. على مرأى من السائق الذي كان ينظر إليها مبتسمًا، سألها بهدوء: -إلى أين الآن سيدتي؟ -خذني للحياة.