كان مساء الأربعاء النصف من شهر صفر 1440، الموافق 24 من أكتوبر 2018، مساء غير عادي بكل تفاصيله، كانت سماء يومه مثقلة بالغيوم، وأرضه تنتظر المطر وأجسادا طيبة، لتحتضنها. كنت أشعر داخلي أن شيئا ما سيحدث، غالبت هذه المشاعر السلبية، وإعياء السفر بأحاديث متفرقة، حتى جاءني اتصال من أخي بخبر جلل! عمي عبدالله «يرحمه الله»، ذهول.. صمت.. لحظات نعيشها ولا نتجاسر على وصفها، فارتباطي الوجداني الصادق بعمي عبدالله هو الذي أرق وجداني قبيل رحيله، تعلقت بعمي عبدالله، لحب والدي له -يرحمهما الله- فقد سمعته مرة يقول: «عبدالله.. أطيب الناس». بعد وفاة والدي كنت أرجع لعمي عبدالله يرشدني ويعلمني، ينزل بتواضع وحب لأرتفع مع رقي حديثه ورقيق مشاعره، أذكر أني كنت أتواصل معه كثيرا، عندما كنت في الولاياتالمتحدةالأمريكية أعمل في مشروع مشترك بين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وشركة أي بي أم، وأتحدث معه في كل ما يجول بخاطري، آنس بحديثه وأحظى بدعواته وكلمات دعمه لي. كان منهجه في الحديث هادئا متوازنا بين العقل والعاطفة، عميق الحكمة والخبرة، سألته مرة عن لقاء أجري في البرنامج الشهير للإعلامي لاري كينج مع العالم ستيفن هوكنج، ذكر الأخير أن دراسته النظرية وحساباته في كتل المواد تتوقع ظهور كائنات تتصف بالنهم الشديد، وهي خطرة على البشرية، فسألته -يرحمه الله- هل من الممكن أن أبحاث ستيفن هوكنج هذه تتحدث عن ما نعرفه من ظهور يأجوج ومأجوج؟ فكانت إجابته الحصينة الحكيمة: «ولما لا، إن علم الله نور يصل له من يجتهد، قد يكون ما يعنيه ستفين هو بالتحديد يأجوج ومأجوج، وهذا يجعلنا نحمد الله أن هدانا للإسلام». تحدثنا مرات عن كتابات عباس محمود العقاد، عمي بثقافته الموسوعية العميقة، وأنا بخلفيتي العلمية وقراءاتي الأدبية المحدودة.. أذكر له رأيا في مواضيع عديدة، يستمع لي ويلخص رأيه إذا توافقنا بمقولته «أشاركك الرأي يا دكتورة». كان -يرحمه الله- أول المحتفين بي بأي منجز علمي أحققه، كان سندا.. وسيظل حبا حقيقيا في حياتي، وسأكون وفية لهذا الحب أسقيه بالدعاء والعمل الطيب، أهديه له مع والدي -يرحمهما الله. * أستاذ بحث مشارك في الفيزياء، مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية