فرشت رحمة بطانية متهالكة تحت حماطة تتوسط ساحة البيت، كان هواء ضحى الخريف جافاً، أوراق تتساقط مع كل هبة رياح، فيما ابنتها الدغماء كما تطلق عليها، تضع رأسها على فخذها، وتتفادى شعاع الشمس بكف وتهرش بالأخرى فوق غطاء محكم. كشفت القبع عن رأسها، وبدأت تفلّي الشعر الأشقر المعفّش، وتلاحق حشرات بأحجام متفاوتة، وكلما وضعت إحداها على ظفر الإبهام قصعته بطريقة احترافية، وبصوت مسموع من شفتيها كأنه صوت التشفي. كان الأولاد الصغار عائدين من المدرسة، (كعشان) يعشق مناغشة الكلاب. اقترح على (سعد) يمرون على خربة لحمل أحد جروة الكلبة ويربونه. قال له: بتأكلنا! قال: أنت أدخل الخربة وأنا أراقبها، وإذا شفتها جاءت بادعيك ونشرد. كان سعد متيناً. أعطى شنطته لكعشان، ودفع نفسه من شقوق باب الخربة، فانخلعت الدرفة. تعالى عواء الجراء الصغيرة تستغيث، فغارت الكلبة من الخارج، ونسي كعشان تنبيه صاحبه، الذي خرج متحوساً ومعضعضاً ومخمشاً. بدأ يقهقه ويشمت. وسعد يرجمه بالحجارة، وبالكلام، (والله لأوريك يا ذرى مخاطة)، مع ارتفاع أصواتهم، أزاحت رحمة رأس ابنتها عن فخذها، وفكّت الثوب من الغرزة، وأطلت من فوق الجناح، وتساءلت «وشبكم يا ورعان، ماشي خلاف»، أجابها كعشان «ولدك ناغش الكلبة وخرشته». بكى سعد، وحلف لأمه أنه هو من أوزاه يدخل الخربة وشرد وخلاه. علّقت: خلك تستاهل، والله إن ودي يكون جتك محوّقة البراطم يا المدهفل. وش غدا بك تناغش الكلبة وجروتها. والله لعلّم أبوك متى ما يوصل من السوق. وإذا بالأب يرد بالصوت من المسراب: عن أيش تعلميني يا الله علم خير. تناولت شرشفها، ومدت يدها لتتناول حبل الحمارة. ربطتها في الحماطة، وأنزلت الخرج، فيما الصغيرة تطاردها. عاد سعد يسحب أرجوله، فقال أبوه: تبكي يا الرخمة من عضة كلبة. يوم كنت في سنك أواجه الذيب فيتناوش الريع خوفاً مني. قالت الزوجة: الله واليها خابرينك. أخرجت فاكهة من الخرج وناولت سعد حبة موز، خرج يسعى ليغيظ بها كعشان، قال: هب لي. فرد عليه: والله ما تدب بطنك. فبدأ يردد «عيني فيك ما تخطيك، واللي شالك ما يشتيك» وقعت الموزة في الأرض فسبقه إليه وابتلعها بتربانها وسعد يلاحقه بعين الحسرة. علمي وسلامتكم.