بعد أن سقطت ورقة التوت التي كانت تواري عوار فكره، وضحالة علمه وصغر نفسه، وبعد أن انتهك نفر من حراس أبوغريب رجولته فخرج مجللا بالعار والفضيحة، متخفياً بين شقوق المنازل وأزقة بغداد والموصل، ادعى الخلافة وعاث في الأرض فساداً. سلط أعوانه فغيروا منار الأرض واستباحوا حرماتها ولغوا في الدماء البريئة وانتهكوا أماكن العبادة ومساجد يرفع فيها اسم الله وذكره، حتى سلط الله عليهم من حصدهم حصداً وأبادهم عدداً فكانوا كفئران هاربة إلى جحورها تقتل بالجملة، وسط فرحة عامرة بالنهاية. بأحلامه المريضة وعقده النفسية الدفينة وهزيمته المنكرة يعود أبوبكر البغدادي زعيم التنظيم الإرهابي الأشرس في تاريخ المسلمين عن طريق الموقع الإلكتروني (الغرباء) يطلب تجديد بيعته كخليفة للمسلمين. الخلافة فكرة عقيمة امتطاها البعض للوصول إلى أهدافهم الدنيوية من الخوارج والإخوان والدواعش. فالخلافة تعني خلافة شخص للرسول عليه الصلاة والسلام في إقامة القوانين الشرعية وحفظ حوزة الدين على وجه يجب اتباعه على كافة الأمة، فهل يقول عاقل إن البغدادي الإرهابي وأمثاله من الخوارج والإخوان ممن يدعون الخلافة ويسعون إليها يستطيعون أن يحفظوا حوزة الدين وهم أول المنتهكين لها، وهل يستطيعون أن يتقيدوا في سلطانهم المزعوم بحدود الشرع لا يتخطونها ليضبطوا حماقتهم وجموحهم للقتل والتدمير، وشهواتهم النازعة للشرور والمهالك. روى الإمام أحمد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام (أن الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك) وهي فترة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ويؤكدها ابن تيمية في تقرير خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة في ثلاثين سنة ثم يصبح ملكاً، فأين مستند المطالبين بخليفة للمسلمين، وهي انتهت بنهاية الخلفاء الراشدين علاوة على أنها غير موجودة في كتاب الله لا بنص حتى ولو بالإشارة أو آية تؤكد أن الأمة الأسلامية يجب أن يكون لها خليفة، فالقرآن لم يفرط في كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها، فقال أمرهم (شورى) ووضح آية الدين والرضاع وأحكام القتال ووثق كل أمور ديننا ودنيانا ولو كانت الخلافة حقا وواجبا لكانت في الكتاب مسطوراً فالقرآن أهملها كما السنة النبوية فلا يستطيع المنادون بها الركون إلى نص صريح يستدلون عليها، فهي أضغاث أحلام تراود بعض المرضى والمهووسين ومن يزعق ويقول والله أني أراها قادمة وهو كذوب ومن يدعي من منبره أنها والله واجبة وهو حالم، بل إن هناك من الشعراء والدعاة من كان ينشد الخلافة لشخص معين ليشبع بطنه ويحشي جيوبه ذهبا وفضة، فيقول الفرزدق: هشام خيار الله للناس به ينجلي عن كل أرض ظلامها. ويقول آخر: جاء الخلافة أو كانت له قدراً كما أتى ربه موسى على القدر وبالغ أحدهم طمعاً في العطية بقوله: ما شئت إلا ما شاءت الأقدار فاحكم أنت الواحد القهار فليس هناك خلافة بعد الثلاثين عاما من حكم الخلفاء الراشدين لا بالعقل ولا بالنص. وإنما إمضاء لأحكام الشرع وتطبيقها فإذا توطأت الأمة على العدل وتنفيذ أحكام الله لم تكن الأمة الإسلامية في حاجة إلى خليفة. كل دولة لها حرية اختيار نوع الحكم الذي يناسبها لا يكلفهم الله بيعة لخليفة بعينه، يورد الطبري أن سيدنا عمر خطب يوم وفاة نبي الأمة بقوله (أيها الناس أني قد قلت لكن بالأمس أن رسول الله لم يمت وأنه ذهب لملاقاة ربه وهذا كان رأيي، وما وجدته في كتاب الله ولا كانت عهداً عهده إلى رسول الله. والله قد أبقى فيكم كتابه الذي هدى به رسوله فإن اعتصمتم به هداكم الله. وإن الله قد أجمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا بايعوه)؛ فرسول الله لم يبين أمر الخلافة بنص صريح وإنما تركها لمن بعده. يقول ابن خلدون (إنه قد ذهب رسم الخلافة وأثرها بذهاب بيعة العرب وفناء جيلهم وتلاشي أحوالهم وبقي الأمر ملكا بحتاً وليس للخليفة من شيء) ولقد استمرت أمم الإسلام في أداء فرائضها والقيام بشؤون دينها ومزاولة طقوسها حتى من دون قيام خليفة، وقد امتلأت كتب التاريخ بأسماء خلفاء كانوا مسبة في جبين أمة محمد فالإسلام دين عظيم لا ترتبط شعائره بخليفة وإنما هي دعوات واهية باطلة ترضي العواطف وتدغدغ شعور البائسين وعلى شباب الأمة أن يعوا لمثل هذه الدعوات الباطلة فلا طاعة للخوارج فهم أكثر الناس تلهفاً للخلافة. فإقامة الخلافة لا تكون بالادعاء والإعلان فلا قيمة لإعلان ليس له حقيقة في الوجود. ورحم الله القاضي الشرعي علي عبد الرازق الذي طالب بإلغاء الخلافة بل وأنكر وجودها من الأساس في كتابه القيم (الإسلام وأصول الحكم) الصادر في العام 1925م، وليته يعمم ويدرس فهو بألف كتاب من كتب الإخوان المسمومة. * كاتب سعودي