على الرغم من تأكيد الطب والأطباء والمختبرات العلمية الطبية في العالم على أن الحيوانات المنوية التي تخصب البويضات الأنثوية هي المسؤولة - بعد الله - عن تحديد جنس المولود ذكراً كان أم أنثى حتى أن بعض الأطباء في اليابان وفي دول أخرى سعوا خلال السنوات الأخيرة إلى محاولات لفصل الحيوانات المنوية الذكورية عن الحيوانات المنوية الأنثوية عن طريق الأنابيب والتلقيح الصناعي بهدف تحديد جنس المولود حسب رغبة الزوجين ولكن عقبات قانونية وطبية واعتراضات دينية ربما حالت دون تطبيق وانتشار ذلك المشروع الطبي فلم نعد نسمع عنه أخباراً جديدة في هذه الأيام. أقول على الرغم من تأكيد الأطباء على مسؤولية الحيوانات المنوية للرجل عن تحديد جنس المولود لأن ماء الرجل يحتوي على النوعين أما بويضة الأنثى فهي واحدة من حيث النوع، إلا أن العديد من الذكور في العالم ولا أقول الرجال! لا يزالون يستقبلون المولودة الأنثى بوجه مُسْود وقلب كظيم، وقد يسعى للتخلص من مولودته كما يقع في بعض دول آسيا، إما بسبب الفقر وما سيكلفه زواجها من دفع المهر للعريس حسب عادة «الدُّوطا» المنتشرة بين المسلمين وغير المسلمين وإما لأن الدولة لا تسمح له إلا بمولود واحد فإذا جاء أنثى تخلص منه خفية انتظاراً لمولود ذكر يحمل اسمه وهمه في المستقبل، ولكنه قد يشقيه بعقوقه وانحرافه فلا هو أدرك خيره ولا كفاه شره. وهناك من الذكور من يهدد زوجته بالطلاق إن هي أنجبت الإناث أو في أحسن الأحوال يتزوج عليها متهماً إياها بأنها لا تنجب إلا البنات، ولو قيل له إن العلم يربط هذا الأمر بعد إرادة الله بماء الرجل فإن عقله السقيم يجعله يضرب عرض الحائط بما يسمع وقد يتحقق له فيرزقه الله بمولود ذكر بعد زواجه من ثانية أو ثالثة، ولكنه يندم وهو في كهولته أو شيخوخته عندما يرى أمامه الابن الشاب الذي فرح به ودلله حتى أفسده يمارس معه كل أنواع العقوق فلا يجد من يحنو عليه في شيخوخته سوى بناته الطيبات! وتحضرني في نهاية المقال قصة أم حمزة المرأة العربية الشاعرة التي هداها حسها الصافي ولوعتها الصادقة إلى ما اكتشفه الأطباء بعدها بما يزيد على ألف عام، فقد ظلت تلد البنات لأبي حمزة الذي ظل يحلم أن يكون له ابن ذكر يسميه حمزة، فلم يكتب الله له ذلك فغضب وترك الدار إلى دار أخرى بهدف الزواج من امرأة ثانية لعلها تلد له حمزة، وذات يوم مر بجوار داره التي بها زوجته وبناته فسمع أم حمزة تغني لبناتها أبياتاً من نظمها قالت فيها: ما لأبي حمزة لا يأتينا يظل في البيت الذي يلينا غضبان ألا نلد البنينا تالله ما ذاك بأيدينا وإنما نأخذ ما أعطينا ونحن كالأرض لزارعينا نُنْبت ما زرعوه فينا! وقد جاء العلم والطب ليثبت ما قالته أم حمزة التي أثرت بأبياتها على أبي حمزة فرق لها ولبناته وعاد إليهم وعاشوا بعد ذلك «في الثبات والنبات حسب تعبير الحاجّة أم الخيرات، ولكن ذلك لم يمنع وجود آلاف الحمزات الذين يهجرون أو يطلقون نساءهم لأنهن ولدن البنات! وما أكثر الحمزات حين تعدهم ولكنهم في المكرمات قليل»! * كاتب سعودي